نظرة في قانون سحب الجنسية الأسترالية 

يعمل السياسيون الأستراليون على سنّ قانون يسمح لوزير الهجرة أن يسحب الجنسية الأسترالية من المواطنين الأستراليين الذين يحملون جنسية أخرى (جنسية مزدوجة) ويشاركون في دعم الإرهاب وتمويله ويخططون للإعتداء على ممتلكات الدولة الأسترالية في داخل أستراليا وخارجها. يتحدث السياسيون عن ضرورة مكافحة الارهاب وحماية أمن أستراليا من خطر الإرهابيين، وعن ضرورة أن تكون هناك قوانين تسمح بسحب الجنسية الأسترالية وترحيل هؤلاء الإرهابيين من أستراليا، أو تمنعهم من العودة إليها فيما لو كانوا خارجها. لقد أبدى الكثير من الأستراليين وجهة نظرهم في هذا الموضوع الحساس بين مؤيد له ومعارض، وأحبّ في المقام أن أشير الى عدّة ملاحظات:

1- في ظلّ الهجمة الإعلامية العالمية على الإسلام والمسلمين من خلال تشويه صورتهم في وسائلها المتنوّعة والتي أصبحت فيها كلمة (الإرهاب) تعني وتعادل (الإسلام والمسلمين)، سيؤدي هذا القانون المطروح إلى خلق مزيد من التوتر والتشنّج في العلاقة بين أطياف المجتمع الأسترالي، حيث ستزداد الحملة على المسلمين بسببه كإرهابيين بالجملة، وسيعمل على بثّ روح الكراهية والعنصرية تجاههم.

2- إن هذا القانون يطمح إلى مكافحة (عشرات ) الإرهابيين الذين يشاركون في سوريا والعراق ، في الوقت الذي سيؤدي الى شعور ( مئات آلاف) المسلمين بأنهم مستهدفون به ويُعمل على إقصائهم وترحيلهم. 

3- إن القانون المطروح ضبابي في صياغته التي تتحدث عن الإرهاب والإرهابيين على نحو مطلق وعام من دون تحديد الجهة المقصودة به ، وإن كان الجميع يتحدث عن (داعش وأمثالها ) ، ولذلك يخشى من سوء استعمال هذا القانون وسوء تطبيقه وتسييسه، بسبب منح سلطة سحب الجنسية لوزير الهجرة وليس للقضاء والمحكمة العادلة.

4- إن هذا القانون يجرّد القضاء من عمله، ويمنع المحكمة من أداء دورها ووظيفتها في إدانة المتهم وتجريمه وتبرئته، فليس هناك فرق بين جريمة وأخرى في أستراليا أوخارجها، لأنه لا هوية للجريمة بل هي مدانة على جميع الأحوال، وليس هناك ربط وعلاقة بين الجريمة التي ترتكب وبين سحب الجنسية التي هي ضمانة للعيش المشترك بين جميع المواطنين والتي يحميها الدستور ويمنع سحبها إلا في حال الإدلاء بمعلومات مزوّرة عند الحصول عليها.

5- من حقّ المسلمين أن يتساءلوا عن المساواة في تطبيق القانون المطروح وهل أنه سيشمل كل المواطنين بلا استثناء أم أنه مفصل على مقاسهم هم فقط !.

إنهم يتساءلون هل ستُسحب الجنسية الأسترالية من المواطنين الأستراليين الحاملين لجنسية إسرائيلية ممن يشاركون في قصف المدنيين من أطفال ونساء في فلسطين ولبنان من خلال انتمائهم للجيش الاسرائيلي وأداء خدمتهم العسكرية فيه؟. وبالتالي هل هذا إرهاب أو لا ؟ وهل هؤلاء العسكريون الاسرائيليون الحاملون لجنسية أسترالية هم إرهابيون أو لا ؟!.

6- إن المسلمين المتواجدين على الاراضي الأسترالية هم مواطنون أستراليون، لهم حقوق وعليهم واجبات، ومن حقوقهم أن يتمتعوا بالسلام والأمن والمساواة والعدالة، وعليهم واجبات تفرضها مفاهيم الأخوة والزّمالة والمواطنة ، ولذلك ليسوا مواطنين من الدرجة الثانية كجنسيتهم الثانية التي يحملونها، لأن جميع الأستراليين في هذا الأمر سواء، حيث جاءوا من خارجها كمهاجرين ووافدين وبإمكان الجميع أن يطلب جنسية أخرى من وطنه الأم التي له فيها جذور ، ما عدا السكان الأصليين الذين يمثلون ويجسدون تاريخ هذه الأرض الأسترالية.

7- ختاما ، أعتقد أن القضاء على الإرهاب يكون بالتعاطف الإيجابي ومدّ يد التعاون للمسلمين الذين يشكلون في أغلبيتهم الساحقة نموذجا للسلام والعمل الدؤوب لما يصب في مصلحة وطنهم أستراليا ، أما هؤلاء المجرمون الإرهابيون فهم قلة قليلة لا تتجاوز المئة ، وعلى السياسيين ورجال الدولة أن يدرسوا أسباب التحاق هؤلاء بالحركات الإرهابية خصوصا أن أكثرهم مولودون في أستراليا وهم نتاج بيئتها وتربيتها. أيها السياسيون ، لا تستغلوا الإرهاب كفزاعة أو بازار تحققون به بعض مصالحكم السياسية. إن السجون الأسترالية تتّسع لعشرات الإرهابيين المجرمين الذين ينالون جزاءهم العادل في القضاء والمحكمة، لكن لا تحوّلوا أستراليا إلى سجن كبير يشعر فيه المسلمون بالضغط والقهر والكراهية.

ألشيخ يوسف نبها

إمام مسجد الرحمان – سيدني

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …