لهذه الأسباب .. تكلم نصرالله بنبرة المنتصر
عماد مرمل
بدا الخطاب الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله من وجهة نظر العديد من متابعيه بمثابة خطاب إعلان الانتصار. والمقصود بالانتصار هنا ليس تحقيق الحسم العسكري في سوريا، بل منع الفريق الآخر من تحقيق أهدافه، في استعادة لمفهوم النصر في حرب تموز، حين نجحت المقاومة في إجهاض الأهداف التي وضعتها اسرائيل لعدوانها.
وبهذا المعنى، هناك من يعتبر أن نبرة المنتصر أو الواثق في خطاب نصرالله تعكس قناعة لديه بأن قوى المقاومة والممانعة تمكنت بحسابات «الورقة والقلم» من التصدي للمشروع الإقليمي – الدولي الذي استهدف سوريا ودورها، ونجحت نجاحاً نهائياً في منعه من إسقاط الدولة والنظام وفي دفعه الى الانتقال من الهجوم الى الدفاع، مع ما يعنيه من خسائر استراتيجية لأصحاب هذا المشروع والمراهنين عليه.
في الأساس، ومن أول الطريق حدد «المحور المرقط» مقياس معركته بحماية النظام السوري لما يمثله من ركن أساسي في منظومة الصراع مع إسرائيل، الى جانب الدفع في اتجاه اعتماد حل سياسي للأزمة عبر الحوار الذي ينطوي ضمناً على الاعتراف بجزء من المعارضة على الأقل، لذا كان يكفي بقاء الرئيس بشار الأسد في موقعه برغم كل الضغوط العسكرية والسياسية ليشكل ذلك إحدى علامات الانتصار قياساً الى «باريم» العلامات المحدد، في حين أن الفريق المضاد رفع سقفه كثيراً منذ المراحل الأولى للمواجهة وبدأ معركته من نقطة المطالبة بإسقاط النظام ورحيل الأسد ورفض أي حوار سياسي معه، الأمر الذي جعل أي سيناريو آخر يشكل هزيمة لأصحاب هذا التوجه.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية المعروفة ببراغماتيتها قد استطاعت سريعاً التكيف مع الوقائع المستجدة، والبناء عليها لتحقيق تقاطعات مع الروس والإيرانيين، إلا أن البعض في المنطقة ولبنان لا يزال يتجنب الاعتراف بالمعطيات الجديدة لتفادي دفع فاتورتها السياسية التي ستكون مرتفعة.
ويعتقد مصدر سياسي مطلع أن المشكلة الآن تكمن في رفض بعض القوى الإقليمية التسليم بخسارة معركتها في سوريا، مفترضة أنها لا تزال تستطيع التعويض وتصحيح الخلل في موازين القوى، مشيراً الى أن من بين أسباب هذا التصلب هو شعور هذه القوى بأن مفاعيل هزيمتها في سوريا ستصيب الكثير من الطموحات التي بنيت على فرضية كسب الحرب.
ويلفت هذا المصدر الانتباه الى أن هناك دولا عربية ظنت أن قدراتها المالية تتيح لها أن تصنع زعامة، وأن تمنحها موقع القيادة في العالمين العربي والإسلامي، معتبراً أن من بين هذه الدول من افترض أنه يستطيع أن يرث مصر أو العراق أو سوريا في معادلات المنطقة، وقد فاته أن الامتياز الـ«جيو سياسي» هو الذي يؤدي الدور الحاسم في صناعة القيادة والريادة، وليس غيره، ولذلك يكفي أن تستعيد القاهرة أو دمشق أو بغداد بعضاً من عافيتها حتى تمسك مرة أخرى بزمام المبادرة، مستندة الى حقائق الجغرافيا السياسية.
وإذ يعتبر المصدر أن «الضفدع مهما انتفخ لا يتحول الى فيل»، يلاحظ أن بعض الدول توهّم أن حجمه قد تضاعف الى الحد الذي يؤهله لأدوار ما فوق العادة، قبل أن يتبين لاحقا أن الورم لا يمكنه أن يصنع حجما ثابتا.
ويرى المصدر أن تكثيف الجهود لعقد مؤتمر «جنيف 2»، باعتباره ممراً إلزامياً للحل السياسي، يؤكد صوابية موقف لبنان الرسمي الذي اعتمد خيار النأي بالنفس ونادى بالحوار وسيلة لمعالجة الأزمة السورية، فيما كان بعض العرب يذهب بعيدا في التحريض على الحل العسكري والخيارات المتهورة، الى درجة توريط الجامعة العربية باتخاذ قرارت انفعالية، كان من بينها استبدال التمثيل السوري الرسمي في الجامعة بمعارضة مفككة ومبعثرة، ظهر أنها عاجزة حتى عن تلقف هذه الهدية.
ويكشف المصدر عن إحدى الشخصيات العربية المتشددة في موقفها من النظام السوري قالت لمسؤول لبناني، خلال لقاء عقد منذ فترة طويلة: «خلال وقت قصير، لن تعود هناك ضرورة لسياسة النأي بالنفس لأن الحاجة اليها ستنتفي مع سقوط النظام».
ويشير المصدر المطلع الى أن ما حصل هو أن النظام لا يزال قائما وأن مسؤولين عربا توعدوا بإسقاطه هم الذين اضطروا الى التنحي، وهو المصير الذي يخشاه ويحاول أن يتحاشاه من يتعامى حتى الآن عن التحولات الحاصلة ويرفض الإقرار بها.
ويشدد المصدر على أن لبنان سيشارك في مؤتمر «جنيف 2» لأنه يريد تطمينات وضمانات بألا يُستخدم كساحة لتصريف تداعيات المواجهة أو الحل في سوريا، لافتا الانتباه الى أن القلق لا ينبع فقط من آثار الحرب بل ايضا من انعكاسات التسوية التي قد تجعل مجموعات مسلحة كثيرة تلوذ الى الأراضي اللبنانية.