29 عاماً على استشهاد ناجي العلي: قاومهم بالريشة فاغتالوه بالرصاص
كاترين ضاهر
(مجلة النداء- العدد 296)
يصادف يوم الاثنين المقبل، الذكرى التاسعة والعشرون، لاستشهاد رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، والذي اشتهر برسم “حنظلة” الطفل الفلسطيني اللاجئ الذي يقف في رسوماته وهو ينظر إلى فلسطين المحتلة ويترقب تحريرها، ويلتفت إلى البلاد العربية ومنها لبنان، ليقدم وردة لصباح بيروت الحزينة الذي انهكتها الحرب الأهلية وتبعها الاجتياح الصهيوني والاحتلال، وإلى الجنوب المحتل أيضاً تنهد بحسرة بقيت غصة في قلب، سبقته رصاصات الاغتيال إليه ولم يرَ لحظة تحرير جار فلسطين الصامد.
في 22 تموز 1987 أطلق شاب مجهول رصاصة مسدس كاتم للصوت على ناجي العلي في لندن فأصابه تحت عينه اليمنى، ومكث في غيبوبة حتى وفاته في 29 آب 1987.
وجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى الموساد الإسرائيلي، وثانياً إلى منظمة التحرير الفلسطينية لأنه رسم بعض اللوحات التي تمس قياداتها، وإلى بعض الأنظمة العربية للسبب ذاته.
ويعتبر ناجي العلي من أهم الفنانين الفلسطينيين، وتميّز بالنقد اللاذع في رسوماته. وقد أنتج أربعين ألف رسم كاريكاتيري خلال مسيرته الفنية التي استمرت نحو 30 سنة ونشرت في العديد من الصحف والمجلات الفلسطينية والعربية.
ويعود الفضل في نشر أعماله ودخوله عالم الكاريكاتير إلى الأديب الفلسطيني غسان كنفاني، الذي شاهد ثلاثة أعمال من رسوم ناجي في زيارة له إلى مخيم عين الحلوة فنشر له أولى لوحاته في الصحافة، وكانت عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تلوح، والتي نشرت في مجلة “الحرية” العدد 88 في 25 أيلول 1961.
رحل ناجي العلي تاركاً حنظلة وحيداً وشاهداً على العديد من الانتهاكات بحق بلده فلسطين ووطنه العربي. حنظلة سيتذكر رفيقه ناجي المناضل الذي اغتيل في لندن برصاص مسدس مزود بكاتم، وهو الذي ما زالت رسوماته وكلماته تصرخ عالياً في وجه الاحتلال والظلم والفقر… ولن يرهبها العدو وطلقاته.
“حنظلة” المعترض الصامد
يرتبط اسم ناجي العلي بحنظلة، الشخصية التي ابتدعها وتمثل صبياً في العاشرة من عمره، يمثل الفلسطيني الصامد دوماً بالرغم من عذاب اللجوء، أو الأسر، والذي أصبح بمثابة التوقيع على رسوماته.
لقي هذا الرسم وصاحبه، وما زال حتى يومنا هذا، حب الجماهير العربية كلها وبخاصة الفلسطينية، لأن حنظلة هو رمز للفلسطيني المعذب والقوي رغم كل الصعاب التي تواجهه فهو شاهد صادق على الأحداث ولا يخشى أحداً.
واعتبر ناجي العلي إن حنظلة هو بمثابة الأيقونة التي تمثل الإنهزام والضعف في الأنظمة العربية. وقال في إحدى المقابلات معه “ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائماً في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء”. وأما عن سبب تكتيف يديه فيقول ناجي العلي: “كتفته بعد حرب أكتوبر 1973 لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأميركية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبع”.
صرخات “حنظلة” تجسد معاناة الشعوب العربية حتى الآن، حتى في الرسومات الأخيرة التي تركها ناجي العلي لوالده، والتي نشرها نجل الشهيد خالد العلي العام الماضي بـ “كتاب حنظلة ــ رسومات ناجي العلي/ تاريخ آخر لفلسطين” (دار Scibest – فرنسا) بدت كأنها تتنبأ بـ “انتفاضة السكاكين” في فلسطين.
يذكر ان الكتاب هو النسخة الثانية التي صدرت أخيراً باللغة الفرنسية، وقد سبقها قبل ثلاث سنوات صدور النسخة الأولى (2011). العمل الذي يحوي 164 رسماً للفنان الشهيد (1938 ــ 1987) وخمسة نصوص تختصر فن الفنان الفلسطيني وفكره، يندرج ضمن سلسلة تنشرها “الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها” (BDS) للتعريف بالقضية الفلسطينية ورفع الصوت عالياً في وجه ممارسات الاحتلال الإسرائيلي عبر رسومات العلي.
29 عاماً على اغتيال ناجي العلي، قاومهم بالريشة فاغتالوه بالرصاص… وكان الفن أقوى من القتل… وستبقى القضية أقوى من الاحتلال والأنظمة المستبدة وجرائمهما، وكيف إذا كانت القضية “فلسطين”.
الوسوممنوعات
شاهد أيضاً
في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)
قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …