مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ

سماحة العلامة السيد محمد علي فضل الله
الجمعة 4 ربيع الأوَّل 1436هـ الموافق 26 كانون الأوَّل 2014 م

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، وَأفَضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ عَلَى أَشْرَفِ خَلْقِ اللهِ وأعزِّ المُرسَلينَ سَيِّدِنَا وحَبيبِنَا مُحَمَّدٍ رسولِ اللهِ وعلى آلهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَأصحَابِهِ الأخيَارِ المُنْتَجَبين.
ورد في سورة آل عمران من الكتاب المجيد: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُون*الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ [آل عمران: 58-59].
مرت علينا البارحة، ذكرى ميلاد نبيِّ الله عيسى بن مريم، وهو الإنسان الَّذي مثَّل الإعجاز في طبيعة خَلقِه ووجوده وحياته. وسنستقبل بعد عدَّة أيام أيضًا بداية السَّنة الميلاديَّة الشَّمسيَّة، الَّتي يتعامل أكثر العالم معها باعتبارها مرتكزًا أساسيًّا للتَّاريخ.
ونبيُّ الله عيسى(ع)، هو واحدٌ من أنبياء أُولي العزم، الَّذين يحملون الرِّسلات العامَّة الشَّاملة للعالم كلِّه، والَّتي تمثِّل تشريعًا ينضبط العالَمُ البشريُّ كلُّه على أساسِه، ومن المعلوم أنَّ أولي العزم من الرُّسل هم خمسة، بينما كان إرسال بقيَّة الأنبياء بهدف الدَّعوة إلى رسالة الرَّسول الَّذي كان قبلهم، ومن هنا نفهم معنى الكلمة المنسوبة للنَّبيِّ(ص) حين قال: علماءُ أمَّتي كأنبياء بني إسرائيل، أي يبلِّغون رسالتي كهؤلاء الأنبياء الَّذين دعوا إلى تطبيق رسالةِ مَن جاء قبلهم من الأنبياء.
وقضيَّة هذا النَّبيِّ، بكلِّ تفاصيلها وأحوالها، تمثِّل حالةً إعجازيَّة غيرَ مألوفة للإنسان في الحياة، وذلك في أصل وجوده وولادته، ونطقه وكلامه وهو في المهد، فضلاً عن معجزاته المتعدِّدة الَّتي هيَّأها له المولى سبحانه وتعالى.
هذا وقد اصطلح المسيحيُّون على اعتبار يومِ ميلادِه هو يومُ الخامس والعشرين من كانون الأول، وإن كان الَّذي يُفهَم من ظاهر القرآن أنَّه وُلِدَ في آخر الصَّيف، وهو موعدُ نُضجِ التَّمر كما تشير الآية: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً [مريم: 25] إلا إذا اعتبرنا أنَّ الموضوع بجملته يشكِّلُ حالة إعجازيَّةً حين وُجِدَ الرُّطَب (التَّمرُ النَّاضج) في أيام البرد، بداية أيَّام الشِّتاء القارس.
وكيف كان، فقضيَّة هذا النَّبي تبدأ حين نذرت امرأةُ عمران نذراً بتقديم حملها هديَّةً لبيت المَقدِسْ، ليكون خادمًا لهذا البيت وراعيًا له: إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ*فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ*فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران: 35-37].
فقد كانت الطريقة المتَّبعة آنذاك، أنَّ الأنثى لا توضع في خدمة بيت المقدس، ممَّا جعل امرأة عمران تعيشُ حالةَ الإحباط بعدمِ تحقُّق ما أرادت، إلا أنَّ إرادة الله وعنايته تقبَّلت هذا الواقع وأقرَّت خدمة الأنثى لبيت المقدس، حيث أوحى الله لنبيِّه زكريا(ع) أن يتعهَّد هذه الأنثى، ويرعاها في بيت المقدس بالذَّات بعد تقبُّل اللهسبحانه لها، وأن يقوِّم تربيتها، ويُحسن تنشئَتها، فتمَّ إفرادُ غرفة لها في هذا البيت المُقدَّس، لتعيش في أجواء الطُّهر والصَّفاء.
ثم تبدأ مرحلة أخرى كما تتحدَّث الآيات، وهي مرحلة السِّيرةِ الطَّاهرةِ لمريم(ع)، واصطفائها وتفضيلِها على كلِّ نساءِ العالم في حينها: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ [آل عمران: 42]، وقد أراد الله لها شُكر هذه النِّعمة بالعبادة والسُّجود والرُّكوع لله، حين كفلها زكريا عندما تقدم قلمه على أقلامهم. يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران: 42].
ثمَّ تنتقل الآيات إلى الحديثِ عن الحَمل الغريب غير المألوف، فلا تزالُ مريم في طور العفافِ والنُّبل، دون زواج، وتأتيها البِشارة مع ذلك بالحمل، فتستغرب الأمر، ولكنَّها كلمةُ الله وأمرُه ولا رادَّ لأمره وقضائه: إذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ*وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ*قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ [آل عمران: 45-47].
ثار القلق في نفسها حين ورود هذه البشارة، من ردَّة فعل النَّاس والمجتمع، تُجاه الواقع غيرِ المألوف، فلن يصدِّق المجتمع هذه المعجزة، مهما كانت سيرتها الحافلة بالطُّهر والنَّقاء والبراءة عن الأدناس و التَّبتُّل والانقطاع إلى اللهتعالى في العبادة، وحين استفسرت عن ذلك، جاءها الرَّدُّ الإلهيُّ أنَّ إرادة الله شاءت ذلك، وهو سبحانه يتكفَّل بالأمر، لذلك فإنَّه سبحانه لم يتركها للمقادير، بل وجَّهها لطريقة العمل، حين دعاها إلى الصَّوم عن الكلام، وهي طريقة كانت مألوفة في ذلك الوقت، وأمدَّ عيسى(ع) بالقدرة على الكلام في المهد، وهو كذلك أمرٌ مخالفٌ للمألوف: فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً*يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً* فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّا [آل عمران: 27-29]، فذلك من غير الممكن والمألوف، لذلك استغربوا وأنكروا دعوتها لهم إلى سؤال ابنها الرضيع والتَّحدث معه. وهو ما يزال في المهد في الأيَّام الأولى من ولادته.
لكنَّ جواب عيسى جاء سريعاً ليلقي الحجَّة عليهم، ويقطع الطريق على اتِّهامهم لأمِّه العفيفة الشَّريفة الطَّاهرة: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً* وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً *وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً* وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً [مريم:30-33]، لقد كانت هذه الكلمات كلمات الفصل،الَّتي لا تدع مجالاً للإنكار إلا للمعاند، الَّذي ينكر الواضحات، وهؤلاء كثيرون في الحياة.
لقد كان وجود عيسى مُعجِزًا خارقًا في بدايات خلقه ووجوده، كما كان مُعجزاً في حياته الممتدَّة، من خلال الأدلَّة الَّتي قدَّمها لإثبات نبوَّته ورسالته، فقد سلَّحه الله بالسِّلاح الأمضى بتحدِّي أقوى علوم عصره انتشاراً وهو علم الطِّب، من خلال شفائه ما يستعصي على الأطباء، وذلك بإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، وإبصار الأعمى، فضلا عن معجزات أخرى كالإخبار بالمغيَّبات لا بفعلِه بل بفعل الله سبحانه.
وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران: 49]. إنَّها معجزتُه السَّماويَّة الَّتي تفرض الإيمان بصدق رسالته ونبوَّته.
لقد كان عيسى(ع) رسول المحبَّة والألفة والسَّلام، ولذلك كان يقول كما يُنقَلُ عنه- لا تظنُّوا أنِّي جئت لأنقض النَّاموس والأنبياء، ما جئت لأنقضَ بل لأُكمِل. ولعلَّ كلَّ رسالات السَّماء، هي رسالاتُ محبَّة وحياةٍ وتوافقٍ بين النَّاس والمجتمعات، وكلُّها كذلك رسالاتُ سلامٍ وخيرٍ، وهي في واقعها تنسجم مع الإسلام كرسالة، لأنَّ صاحب الدِّين واحد، وهو اللهسبحانه وتعالى، ومن هنا نفهم كلمات النَّبيِّ(ص): إنَّما بُعِثتُ لأتمَّم مكارمَ الأخلاق، وقوله(ص): إنَّما أنا رحمَةٌ مُهداة، وقول اللهتعالى في القرآن: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107].
ومن هنا نفهم أنَّ الدَّعوة إلى الحرب والقتال في الإسلام لم تكن إلا لحاجات الدِّفاع عن النَّفس، وهذا ما نكتشفه من خلال مراجعة حروب النَّبيِّ وغزواته. وكلُّ الرِّسالات السَّماويَّة تُقرِّرُ هذا الحقَّ في الدِّفاع عن النَّفس وتقبله وتدعو إليه. وهكذا نلاحظ كيف أنَّ عيسى(ع) دعا للجهاد كما دعا للتَّسامح، ففي بعض كلمات الإنجيل: مَن لم يكُن لهُ سَيفٌ فليَبِعْ ثَوبَه ويشتري سَيفاً، فدور السِّلاح ووظيفتُه في حياة الأنبياء ليس أكثر من دور الدفاع، وإثباتِ القوَّة لخلق المناعة تُجاه المعتدين والمعاندينالَّذين يتربصون السُّوء بالأنبياء وأتباعهم.
لقد دعت رسالات السَّماء إلى رعاية حقوق الإنسان الفرد، وحقوق النَّاس والمجتمعات، وليس للقتل والموت والدَّمار.
ونحن نلاحظ بعض من يدعي الانتماء إلى رسالة عيسى(ع) أو موسى(ع) بل حتّى بعض من يدَّعي الانتماء إلى رسالة نبيِّنا محمَّد(ص)، كيف يتعامل مع بني الإنسان بالعنف المفرط، في كلِّ مستويات العنف السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والحربيَّة.
لا بدَّ لنا، أن نرفض هذا المنطق، وننطلق في كل حركتنا مع الله، الَّذي وعدنا بالنصر، إن نصرناه، على أنفسنا الامَّارة بالسوء أوَّلاً، وعلى أعداء الحقِّ والإنسانيَّة ثانيًا، أولئك الَّذين يظلمون النَّاس ويفسدون في الأرض.
ولا بد لنا ونحن نستقبل سنةً شمسيَّة جديدةً، أن نستعدَّ جيِّدًا لاستقبالها بأفضل استقبال، كما علَّمنا إمامنا السَّجَّادُ(ع) في دعائه أن نستقبل كلَّ يوم: ووَفِّقْنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا ولَيْلَتِنَا هَذِه وفِي جَمِيعِ أَيَّامِنَا لِاسْتِعْمَالِ الْخَيْرِ، وهِجْرَانِ الشَّرِّ، وشُكْرِ النِّعَمِ، واتِّبَاعِ السُّنَنِ، ومُجَانَبَةِ الْبِدَعِ، والأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، والنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وحِيَاطَةِ الإِسْلَامِ، وانْتِقَاصِ الْبَاطِلِ وإِذْلَالِه، ونُصْرَةِ الْحَقِّ وإِعْزَازِه، وإِرْشَادِ الضَّالِّ، ومُعَاوَنَةِ الضَّعِيفِ، وإِدْرَاكِ اللَّهِيفِ، فبهذا نخطِّط للسَّنة المقبلة وبهذا العزم نستقبلُها.
فلا نستقبلُها باللَّهو والعَبث وإزعاج النَّاس، كما تعوَّد الكثيرون على إطلاق الرصاص الَّذي نحن بحاجة ماسَّة إليه في مواجهة أعدء الأمَّة، أو بالمفرقعات والأسهم النَّاريَّة وأمثالها،الَّتي تمثل إسرافاً كبيرًا، في وقت نحن بحاجة فيه إلى أيِّ طاقة مادِّيَّة، وأيِّ جُهدٍ أدَبيّ.
أيُّها الإخوة، إنَّ علينا أن نحفظ طاقاتنا كلِّها لأنَّنا مسؤولون عنها أمام الله في يوم القيامة، وإنَّ علينا أن نكون الواعين الَّذين لا يستغفلهم الأعداء، ولذلك علينا أن ننظر من حولنا جيِّدًا حيثُ نطلّ على واقع أمَّتنا الإسلاميَّة، أمَّةِ رسول الله(ص) الَّذي قال لنا في وصيَّته الأخيرة: لا ترجعوا بعدي ضُلّالا يكفّر بعضكم بعضاً ويقطع بعضكم رقاب بعض. فقد كان(ص) يحمل همَّ الرِّسالة في امتداد الزمن، ويريد للمسلمين أن يتوحَّدوا حتَّى يقدِّموا الإسلام للعالم بطريقةً حضاريَّةٍ تعبّر عن سموِّه وقيادته للحياة. وكان يريد لهم أن يقدِّموا الإسلام المحمَّديَّ المنفتح على العصر وعلى الإنسانيَّة، والَّذي يقف في مواجهة الظُّلم والظَّالمين، وينتصرَ للحقِّ والمظلومين.
وعندما نطلُّ على واقعنا الإسلاميِّ، نجدُ أنَّ هذه الفئات الَّتي حذَّرَ منها رسول الله، تحاول أن تسيطر على الواقع، وتشوِّه الإسلام بأساليبها الجاهليَّة الَّتي تتعارض مع أخلاقيَّات الدِّين.
فها هي الجماعات التَّكفيريَّة، تعيثُ في الأرض فسادًا، وتقدِّمُ أبشع صورِ الوحشيَّة، الَّتي لا تضاهيها إلا وحشيَّةُ الصَّهاينة، الَّذين يستخدمون هذه الجماعات في سبيل إضعاف الإسلام وإسقاطه من الداخل، حيث كانوا يخطِّطون منذ زمن بعيد، لإشعال حرب المئة عام بين السُّنَّة والشِّيعة، كما عبَّر الرَّئيس الصَّهيونيُّ السَّابق شمعون بيريز، لأنَّهم يعلمون أنَّها الطَّريقة الوحيدة لإسقاط المسلمين وصرفِهم عن قضيَّتهم الأساسيَّة، لأنَّ وحدتهم ستنقلب وبالاً على الأعداء، كما أنَّهم يريدون أن يقدموا صورةً غريبةً عن الإسلام، تشوِّه حضوره في عيون المسلمين وفي عيون العالم أجمع.
وقد سمعنا قبل أيَّام تصريحًا لوزير حرب العدوِّ، موشيه يعالون، يؤكِّد فيه أنَّ الجماعات التكفيريَّة تمتنع عن الاقتراب من السِّياج الحدوديِّ مع “إسرائيل” في الجولان، وهذا يُفيد أنَّها تركِّز جهودها على تحقيق الهدف الَّذي يريده هذا الكيان الغاصب وهو محاولة إضعافٍ لمحور المقاومة واستنزافه من أجل إراحة هذا الكيان العدوِّ، ولذلك فإنَّ هذه الجماعات لم تطلق في تاريخها رصاصةً على الصَّهاينة، ولن تفعل في المستقبل، لأنَّها صنيعة الاستكبار الأمريكيِّ والصَّهيونيِّ، وصنيعة أجهزة الاستخبارات الغربيَّة، لذلك فإنَّها تلقى كلَّ الدَّعم من بعض الأنظمة العربيَّة والإسلاميَّة المرتبطة بالغرب في منطقتنا.
إنَّ كلَّ هذه التَّحدِّيات الَّتي تُحيط بنا، يجب أن تدفعنا إلى وعي خطورة المرحلة، والعمل لمواجهة المخاطر الَّتي تَكبُر في كلِّ يوم. لذلك، لا بدَّ من تحصين السَّاحة الدَّاخليَّة، من رياح الفتن المشتعلة في المنطقة.
ومن هنا، فإنَّ أيَّ مبادرةٍ للحوار في لبنان، هي خطوةٌ صحيحةٌ لحماية البلد، وحِفظ وَحدتِه وأمنِه، لأنَّ الفتنة إن اشتعلت نيرانُها ـ لا سمح الله ـ ستحرقُ البلد كلَّه، وستجعلُ أبوابَه مُشرعةً أمام الخطر التَّكفيريِّ، وأمام العدوِّ الصَّهيونيِّ الَّذي يتربَّص بساحتنا، من أجل إسقاط المقاومة في المستنقع الدَّاخليّ.
لذلك، علينا أن نكون في مستوى المرحلة، حتَّى نَحفظ شعبَنا وأمَّتَنا، ونصونَ أرضنا وبلدَنا، ولا نسمحَ للعدوِّ بإسقاط كلِّ واقعِنا…
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ } {التوبة:105}
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …