من هم عباد الرحمن!؟

من هم عباد الرّحمن؟
#بينات #مفاهيم العلامة المرجع #السيد_محمد_حسين_فضل_الله

مَنْ هم عبادُ الرّحمن الذين اختصّهم الله سبحانه بأن نسبهم إلى نفسه، واختصّهم بانتسابهم إليه من خلال صفة الرّحمة في ذاته، مَنْ هم هؤلاء الّذين يمثّلون عمقَ العبوديّة لله؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال، نقول: أن يكون الإنسان عبداً لله، معناه أن يعيش الخضوع له سبحانه في عقله وقلبه وأحاسيسه ومشاعره وفي كلِّ حركته في الحياة، ولا يقدّم رِجْلاً ولا يؤخّر أخرى إلاّ بعد أن يعرف أنَّ في ذلك لله رضًى.

ونقرأ في دعاء الإمام زين العابدين (ع) فيما طلبه من ربّه: “واجْعل همسات قلوبنا وحركات أعضائنا ولمحات أعيننا ولهجات ألسنتنا في موجبات ثوابك”، بحيث لا يخضع عقل وقلب الإنسان إلا لله، فلا يكون له فكرٌ إلاّ الفكر الذي يرضاه ربّه، ولا يحرِّك عاطفته وأعضاءه في كلِّ أوضاعه وعلاقاته إلاّ بما يرى رضى الله في ذلك.. ولكنَّ بعض الناس يريدون أن يكونوا أحراراً أمام الله وعبيداً لشهواتهم وللعباد.

فإذا ما قيل لواحدٍ من هؤلاء: أطِعْ ربَّك ولا تعصه، فإنَّه يجيب بأنّه حرٌّ في أن يطيع الله أو يعصيه، ولكن إذا قال له عبدٌ من عبيد الله، ممّن يملك بعض ما أعطاه الله من قوّة سلطان ومال وجاه، فإنّه ينحني له، وهو إذا لم يسجد أمامه بجبهته، فإنّه يسجد بعقله وقلبه وإرادته له.

كنْ الحرَّ أمام الناس، وكن العبدَ لله وحده، فإنَّ عبوديّتك لله هي أساس حريّتك، لأنَّ عبوديّتك لله تنطلق من طبيعة وجودك، ووجودك مُلْكٌ لله، وإذا كنتَ مملوكاً لله، فإنَّك بذلك عبدٌ له سبحانه، لأنَّ السيّد يملك عبده، أمّا الآخرون فهم مثلك، حتّى لو كانوا في أعلى الدرجات {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ}[الأعراف: 194] فإذا كان الخلق أمثالكم، فلماذا تخضعون لهم وتعبدونهم، وتدعون لهم من دون الله؟!

وعلى هذا، مَنْ هم عباد الرّحمن؟ هم الّذين يجسّدون في حياتهم الأخلاق التي يريد الله للنّاس أن يتخلَّقوا بها، ويقوموا بالأعمال التي يحثّ الله على القيام بها، وحتّى أحلامهم التي يحلمون بها، فهي أحلامٌ مغسولةٌ برضى ومحبّة الله، فلا يعيشون الأماني، إلاّ إذا عبّرت عن معنى الإيمان في عقولهم، فلا يتمنّون أمنية فيها حرام أو معصيةٌ لله سبحانه.

ومن هنا، نقول لكلّ شابّ: الحياة أمامك، وفيها الكثير من حاجاتك، والله يقول لك، لكَ أن تحلم، لأنَّ للشباب أمنياته وأحلامه، ولكن لا تقرب الحرام، كلْ ما تشاء، وتلذّذ بما تشاء، وتمنَّ ما تريد، ولكن إيّاك أن يسيطر الحرام على تفكيرك في كلِّ ذلك. والمشكلة التي تعترض طريقنا، أنّنا نحبس أنفسنا أحياناً في زنزانة الحرام، مع وجود الساحات الواسعة للحلال، ونحن عندما نحبس أنفسنا في زنزانة الحرام، فسينتهي بنا الأمر إلى أن يحبسنا الله في زنزانةٍ من زنازين جهنّم.

ونعود للجواب عن السؤال {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً}[الفرقان: 63] هؤلاء الذين إذا ساروا على الأرض، فإنَّ الأرض لا تشكو من خطواتهم، لأنّها خطوات المتواضعين الذين لا يكون سيرهم على الأرض استعراضاً يعبّرون فيه عن انتفاخ شخصيّاتهم استكباراً وعُلُوّاً، حيث يعيشون في ذلك الورم ولا يعيشون الصحّة، على طريقة قول المتنبّي وهو يشير إلى بعض النّاس:

أُعيذُها نظراتٍ منكَ صادِقةً أَنْ تَحْسَبَ الشَّحْمَ فيمن شحمُهُ وَرَمُ

*من كتاب “من عرفان القرآن”.

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …