منذ إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين، يتابع العرب عامة، والفلسطينيون خاصة، الانتخابات الاسرائيلية كواحدة من الاستحقاقات الهامة في المنطقة.
وغالبا ما يعلقون آمالا على تغييرات تبدل من صورة الصراع المستمر بينهم وبين هذا الكيان الغاصب منذ سبعة وستين عاما. وفي كل مرة تعصرهم الخيبة عندما يكتشفون أن إسرائيل هي إسرائيل، بيمينها ووسطها ويسارها، وأن الرهان على أي تركيبة سياسية لهذا الكيان هو مجرد وهم وسراب لا يقدم ولا يؤخر.
المؤسف أن العرب، وبينهم أهل الأرض خارج الدولة العبرية، لم يستفيدوا من التجربة الديموقراطية في اسرائيل لتسيير وتيسير شؤونهم الداخلية. والمؤسف أكثر أن النظام العربي يجاري اسرائيل في أسوأ ممارساتها القمعية، وفي الوقت نفسه يجافي الكيان الصهيوني في تجربته الديموقراطية.
أوليس مؤلما ومؤسفا وغريبا أن يحظى الفلسطينيون (عرب 48) بأربعة عشر مقعدا في الكنيست بفضل النظام الانتخابي النسبي، ومن دون منّة من أحد، فيما تمنّ الأكثريات العربية على أقلياتها ببضعة مقاعد، غالبا ما تتأتى عن طريق «الكوتا» أو التعيين أو ما شابه؟
أوليس مؤلما أن يسارع رئيس السلطة الفلسطينية، مكبلا بضيق الخيارات وبالتخلي العربي، الى الإعلان أنه سيتعامل مع أي حكومة اسرائيلية جديدة ترضى بحل الدولتين، وهو يعرف سلفا أن هذا الحل بعيد المنال، أيا كان وجه الحكومة الاسرائيلية المقبلة؟
ليس سرا القول إن الفلسطينيين بجميع شرائحهم الشعبية والسياسية بلغوا مرحلة اليأس من الرهان على دولة فلسطينية مستقلة. ذلك أن قادة العدو بكل مصنفاتهم، مقتنعون تماما بأن فلسطين هي دولة يهودية، أرضا وسماء وماء، ولا مكان فيها لدولة فلسطينية تشكل في نظرهم خنجرا في خاصرة الدولة العبرية. وأي كلام خارج هذا السياق هو مجرد أوهام لا تغني ولا تسمن من جوع.
الشعب الفلسطيني الذي لم يعد يراهن على أي حصان من الخيول الانتخابية الاسرائيلية، يجد نفسه اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الركون الى الواقع الراهن على قاعدة «لا حول ولا..»، وإما العودة الى خيار المقاومة الذاتية بكل أشكالها وأصنافها، بعدما خبِر خلال السنين الطوال أن عدوّه ومغتصب أرضه لا يفهم بغير لغة القوة. والتجربة في لبنان وغزة أكبر برهان على ذلك. ويعرف الأقربون والأبعدون أن هذا الخيار ليس سهلا بعدما أُحرِقت مراكب العودة منذ أوسلو وشقيقاتها، وفي ظل الواقع العربي الذي ازداد بؤسا بعد مسيرة «الربيع العربي المظفرة».
ولأن إسرائيل هي إسرائيل بكل حكوماتها وصلفها وجرائمها، لا يحسد الشعب الفلسطيني على واقعه المرير. وليس منصفا من يعتبر اختياراته سهلة في هذه المرحلة. وليس من حق أحد أن يملي على هذا الشعب نظريات أكلت من جسمه وحياته وماضيه وحاضره ومستقبله. لكن ذلك لا يعني الدعوة الى اليأس. فالشعب الفلسطيني الذي يقف معه كرام العرب والمسلمين، ظالما كان أو مظلوما، يملك من الطاقات في الوطن والشتات، ما يؤهله لاتخاذ القرار، متكلا على نفسه ومن دون إملاءات الأنظمة المترنحة. وبالتأكيد سوف يجد من يقف إلى جانبه في هذا العالم الذي ما يزال يختزن الكثير من المؤمنين بقضيته.
صحيح أن إسرائيل هي إسرائيل ولو استمر الصراع معها ألف عام.. لكن فلسطين هي فلسطين أيضا.
المصدر: واصف عواضة – السفير