أثار ما نشره”الدليل”في عدد سابق عن مسلسل”ملح التراب” الذي يعرض على شاشة “المنار”، شجون كاتبه جبران ضاهر، فآثر أن يخص هذه الصفحة ببعض ما ضاقت به نفسه.
“بناءً على رغبة إدارة تلفزيون “المنار” في كتابة مسلسل إجتماعي، وطني، وعاطفي للمحطة، وبعدما انتهيت من أبحاثي، قدمت الملخص العام للقصة، وتمّ التوافق عليه، وباشرت العمل في السيناريو والحوار، آخذاً في الإعتبار ملاحظات لجنة “المنار” المتخصصة بالبيئة وغيرها، وتم اختيار مسلسلي من بين المسلسلات المقدمة للمحطة، ومنها اربعة لكتاب سوريين. وأرسل المسلسل إلى مركز بيروت الدولي لتنفيذه، بعدما تسلمت كامل مستحقاتي المالية.
بعدما وُزّعت النصوص على الممثلين، سحبت من جديد ليتمّ إدخال تعديل عليها من السيد محمد النابلسي وبتكليف من مدير مركز بيروت السيد بلال زعرور، مع العلم انه لا يحق له ذلك إذ إن طلب التعديلات كلها محصور بالسيد أحمد حوماني (معاون مدير عام “المنار”) منفردا من دون سواه بحسب العقد. وقد أتت هذه التعديلات، التي كان وقعها كارثيا على النص، لتقلل جودته وتفرغه من لمسته العاطفية والانسانية والاجتماعية… ومن هذه التعديلات التي شوهت العمل من دون علم الكاتب نذكر، على سبيل المثال، بعضاً منها:
تغيّر الإسم من “دعوة مقاوم” إلى” ملح التراب” من دون استشارتي. وهذا غير مألوف ومرفوض شكلاً ومضمونا. وتوالت التغييرات منذ الحلقة الأولى من شخص عبث بمسلسل جاهز للتصوير، وتلاعب بالشخصيات الأساسية جميعها إلى حدود تشويهها، عدا زيادة مشاهد وحذف أخرى وبتر خطوط وتكويع في خطوط، حتى حصلت عجقة سير خانقة في بدايات المسلسل، خلطت الحابل بالنابل وخسر العمل، منذ حلقاته الأولى، نسبة كبيرة من المشاهدين.
جوهر القصة هو الصراع بين ابرهيم سالم الداعم للمقاومة وشقيقه ماهر الرافض للمقاومة. ماهر وصولي يسعى للسيطرة على الشركة التي يملكها مع ابرهيم لأنهما من أصول ثرية. وصل الأمر بماهر الى محاولة قتل شقيقه في رحلة صيد، وعن طريق المصادفة حصلت معركة غير متوقعة بين قوة إسرائيلية آتية من الشريط المحتل لضرب موقع للمقاومة، وصودف وجود ماهر وابرهيم في المكان، فأصيب ابرهيم وتخلى عنه ماهر وهرب، ودحر العدو وانسحب، لكن ابرهيم أسر.
من هنا تنطلق القصة بواقعية، مظهرة الصراع ضمن العائلة الواحدة لتختصر الحال داخل الوطن. ففاتن زوجة ماهر كانت حصة الإبن حسن المتأثر بعمه ابرهيم، والأب ماهر كان حصة إبنه ناجي الوصولي مثله. ضربت القصة منذ بدايتها بعلم أو من دون علم، وتم حذف المشاهد التي تدعم البنية الدرامية في القصة، وخصوصاً شخصية فاتن رمز الأم العاملية، فحذفت مشاهد جوهرية لها ولسائر الأبطال، لتحل محلها مشاهد مفككة تحت غطاء البيئة والتشويق، فبات مطلع المسلسل أشبه بمسلسل “الغالبون”، والشخصيات العميلة المفترض أن تقتل في أول الحلقة أطال النابلسي بعمرها وخصوصا شخصية الممثلة السورية كنيفاني، و”انعجق” وعجن عجنة مع المخرج نحاس بمباركة من السيد زعرور غير قابلة للطبخ، فضاع الإثنان وضاع معهما من يشاهد المسلسل، وفقد النابلسي السيطرة على الوضع الصعب عليه نتيجة سوء ما أضاف وما حذف فخُرقت الحوارات وتناثرت، وباتت كل شخصية تعاني التفكك والإنهيار مما أفقد المسلسل نجاحه المنتظر.
المعارك العسكرية المكتوبة أصلا بعناية لمواكبة الحبكة الدرامية، استبدلت باشكال معارك تسيء الى النص والى المقاومة. ولا مجال للشرح، فثمة عشرات بل مئات الأخطاء التي ارتكبت فانحرفت بالمسلسل عن وجهته الإنسانية الإجتماعية العاطفية والوطنية إلى مسار مجهول، رغم الشرح الطويل في السيناريو الذي يُفهم من لا يفهم أن هناك خطورة في مسّ أيّ خط أو أيّ مشهد.
شخصية داحول الفريدة نجحت، رغم فقدانها معظم جوهرها. فبحسب النص، ثمة تشديد على ألاّ يتكلم داحول. هو صامت صمت المقهورين في هذا البلد! حالة انطلقت منها العافية
في التاريخ لترتقي إلى مستوى القضايا
الكبرى. وضعوا له الحوار ومسخروه، ووضعوا له “الحردبة” كـ “أحدب نوتردام” واستوردوه، وفي لعبة مخابراتية ساذجة أدخلوه، واحتاروا
بأمره فضيعوه وليتهم فهموه، وبات المسلسل كله محاولات مخابراتية ساذجة تختفي فجأة قبل أن تبدأ. فيما القيادي الإسرئيلي تارة يتكلم الفلسطينية وطورا السورية وأخيراً اللبنانية!
التدريبات العسكرية المحصورة في دقائق، طالت حتى لامست حدود الساعة، وحذفت منها مشاهد إنسانية، فملّ الناس واعتبروه عرضاً عسكريا. لا صورة نظيفة، لا صوت مستقر، وخيالات وزوايا خاطئة، فنرى شخصاً يراقب آخر في لعبة استخباراتية وهو يقف إلى جانبه ويكاد يلمسه. كذلك يسير المقاومون في نهر مكشوف لقنابل العدو المضيئة ولأسلحته الفتاكة، ولا ينتهي النهر ولا تنتهي الرحلة. المقاوم بلقطات سريعة يجتاز الوديان والجبال لتنفيذ مهمته أما مع المخرج فيبقى في المكان نفسه.
حسن، بطل العمل، ينبغي ألا يعرف ليلى، وهي كذلك، مع أنهما من البلدة نفسها، وذلك مبرر بطريقة منطقية، ولا تعرف ليلى إسم حسن الحقيقي كما لا تعرف أنه مقاوم. هذا من مسلمات العمل المقاوم الذي استفدت منه لبناء خط عاطفي إنساني تشويقي عامر بكل معاني الحب، الحلو والمر، حتى آخر حلقات المسلسل. ضرب هذا الخط بفعل التغيير السطحي الذي عرّف ليلى بحسن منذ الطفولة، وطيارة الورق شاهدة على ذلك، ووثق حسن بليلى وهذا ما يجب الا يحصل بحسب نهج المقاومة، ونشط النابلسي في إضافة مشاهد تدلّ على عدم خبرة، فقطع الطريق أمام مسلسل كان من الممكن ان يكون ناجحاً لو ترك كما هو.
النهار