منذ أوائل الستينات من القرن الماضي . أصبحت الرؤية البصرية موضعا للشك ومثارا للشبهة ،لأن جو الأرض قد أصبح ملوثا بالكثير من الدخان والغازات .
وأصبح من الثابت لدى علماء الفلك ،أن الكثير من شهادات رؤية الهلال في بعض البلدان الإسلامية كانت خاطئة.
وعندما اعتمد على الحساب الفلكي في إثبات الهلال احتج معظم العلماء وقالوا بوجوب الاستهلال من أجل تقديم شهادة الرؤية إلى المؤسسة الدينية اعتمادا على حديث :”صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته”
لكن عندما ندرس عبارة “الرؤية” ومشتقات فعل “رأى” الواردة في القرآن الكريم ، نلاحظ وجود معان أخرى للعبارة أهمها :
1_الرؤية بالعين والحس .
2_الرؤية بالعقل والتفكر .
3_الرؤية بالقلب والبصيرة أو التبصر .
4_الرؤية في المنام والحلم .
5_الرؤية بالحدس والتصور أو التخيل.
وقد وردت هذه المعاني في عدد من الآيات القرآنية ،ونذكر فيما يلي بعض الأمثلة عليها …
1_الرؤية بالعين والحس :
{فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي} (الأنعام : 77)
{فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم} (يوسف:28)
{وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم} (المنافقون:4)
{يرونهم مثليهم رأي العين}(آل عمران:13)
{وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد}(النمل : 20)
2_الرؤية بالعقل والتفكر :
{ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق} (إبراهيم :19)
{ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر } (الحج :18)
{ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا} (نوح :15)
{أولم يروا كيف يبدي الله الخلق ثم يعيده} (العنكبوت : 19)
3_الرؤية بالقلب والبصيرة أو التبصر :
{ما كذب الفؤاد ما رأى}(النجم :11).
{وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون} (المؤمنون : 95).
{ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض } (المجادلة : 7)
{ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض} (النور : 41).
4_الرؤية في المنام والحلم :
{إذ يريكهم الله في منامك قليلا}(الأنفال :43)
{يابني إني أرى في المنام أني أذبحك}
(الصافات : 102).
{يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين}(يوسف : 4).
{يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون} (يوسف :43).
{وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا}(يوسف :100).
5_الرؤية بالحدس والتصور أو التخيل :
{وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم }(الزمر :75).
{وترى الناس سكارى وما هم بسكارى} (الحج :2).
{ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة} (الكهف : 47).
{وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد} (إبراهيم : 49).
وإذا كانت”الرؤية”في القرآن تعني كل تلك المعاني، فلماذا لا تكون”الرؤية” في الحديث النبوي الشريف “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته”، تحمل نفس ما ورد في القرآن من المعاني ، أليست آيات القرآن كلاما عربيا فصيحا ،نزلت بنفس اللغة التي كان يتكلمها الرسول(ص) وقومه العرب ويدركون مفاهيمها ومعانيها ؟
وقد لفت نظري أثناء دراسة التفسير القرآني ورود عبارة”أجل مسمى” أي “الوقت المعين” في سورة الرعد 2، وفاطر 13،والزمر 5 ،ولقمان 31 ، في صيغة” وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى”،وتساءلت من يقرر طول مدة ذلك الأجل المسمى ويعينه ؟ هل هو الله تعالى ؟ أم عين الإنسان المستهل ؟ وهل الأجل المسمى محدود مقيد أو مطلق منفلت ؟ وإذا كان محدودا ومقيدا بأمر الله وإرادته ومشيئته الإلهية ،فهل يجوز للرؤية البشرية العينية ،أن تغير من قيمة هذا الأجل المسمى أو الوقت المعين وتبدله ؟ أو أن مهمة أهل العلم والخبرة اكتشاف معاني هذه الأوقات وقيمها ، ومعرفتها عن طريق الأرصاد والمقاييس والتجارب العلمية ؟
وإذا فهمنا حديث الرؤية بأنه يقتصر فقط على الرؤية الحسية العينية ،فعندئذ يصبح الإنسان هو الذي يتحكم بتقرير وتعيين مدة الأجل المسمى لدورة القمر الاقترانية حول الأرض .
وفي هذه الحالة تظهر خطورة تدخل الإنسان بأحكام الله التكوينية .
البروفسير : يوسف مروة
(عضو الجمعية الفلكية الكندية)
إعداد وتصرف : محمد حسين ترحيني