إيلي الفرزلي
تاريخ المقال: 19-08-2014 02:05 AM
الدخول إلى مروحين وساحتها أشبه بالدخول إلى مدينة أشباح. كما لو أن إعصاراً مر فيها، فلم يبق ولم يذر. هل هي قرية مهجورة؟ يجيب الرجل السبعيني ذيب طه القاسم: «ما في غير الختياريي بالضيعة».
تلك الظاهرة لا تقتصر على مروحين، بل تتكرر في قرى يارين، أم التوت، البستان والزلوطية. في أفضل الأحوال، لن تتخطى نسبة المقيمين 10 في المئة من السكان، إلا في بلدة الظهيرة التي يقيم فيها نحو 70 بالمئة من أهلها.
ثمة خصائص مشتركة بين القرى الست. منذ 2 تموز 1977 وحّدها التهجير، بعدما حملت القضية الفلسطينية على كاهلها، وكانت مركزاً للفصائل الفلسطينية المقاومة. اجتاحت ميليشيا «الكتائب» المنطقة حينها، فهرب أهلها وبنوا حيوات جديدة بعيداً عن قراهم. كبر أبناؤهم وتعلموا وتزوجوا وأسسوا أعمالاً، فصار الرجوع إلى القرية صعب المنال. بعد اجتياح العام 1982، عاد البعض من الأهالي لكنهم غادروا مجدداً بعد فرض التجنيد الإجباري في جيش انطوان لحد في منتصف الثمانينيات.
في العام 2000 كان الجيل الجديد قد نشأ في أماكن التهجير الكثيرة ومنها المنصوري صيدا، كوثرية الرز، وادي الزينة وبيروت والضاحية الجنوبية، وصولاً إلى طرابلس. حالياً، بالرغم من أن بعض أهالي هذه القرى قد عاد أدراجه، إلا أن عدم وجود مقومات بقاء حقيقية، يجعل العودة الكبيرة صعبة. وحدهم كبار السن ممن حلموا طويلاً بالعودة إلى حيث ولدوا.. عادوا الى أرضهم.
بعض من الحياة يدب في هذه القرى أيام العطل. يقول محمد الستيني وهو يشك الدخان مع عائلته: «لو جئت في العيد لكنت رأيت حركة أكبر».
في قرية أم التوت التي تتشارك مع مروحين بلدية واحدة، الحركة أنشط بقليل. هناك تبدو البيوت البلاستيكية مشهداً غير مألوف في المنطقة التي تعتمد اعتماداً كبيراً على زراعة الدخان. هذه الزراعات المروية لم تكن سائدة في المنطقة. بعض من خبر العمل بها في أمكنة أخرى، ومنهم عزيز أبو هدلا، استقدمها إلى القرية. حفر بئراً ارتوازية وبدأ بالزراعة، واستقر في قريته.
تتميز هذه القرى بولائها السياسي لتيار «المستقبل»، مع ذلك، فإنه بعكس البيئات الصافية الأخرى، فإن الانتماء لـ«حزب الله» أو «أمل» ليس أمراً مستغرباً. أهل هذه القرى يميزون بين الخلاف السياسي والخطاب الطائفي الذي يزنر لبنان. حتى من هم على خلاف سياسي مع «الحزب» و«الحركة» يتشاركون معهم الحياة بحلوها ومرها.
لأن يارين هي القرية الأكبر بين أخواتها، تأخذ المعارك الانتخابية فيها بعداً سياسياً أوضح. في مروحين، يكون للعائلات دور أكبر. على سبيل المثال، فإن رئيس بلدية مروحين محمد عبيد محسوب على «أمل».
مختار يارين سامر العقلة يؤكد أن الصراع بين الأحزاب لا يتعدى السياسة. يأسف لقلة المقيمين في البلدة، لكنه يبدو مقتنعاً بأن هذا الواقع صار صعب التغيير بعد كل هذه السنين. يتحدث العقلة مطولاً عن العلاقات المتينة مع المحيط. يعتبرها «أنموذجا يجب أن يحتذى».
يسأل محمد عبيد: هل تكفي 3 ملايين ليرة في العام بدل حصة عائلة واحدة من زراعة التبغ ليعتاش منها الناس؟ مع ذلك، لا يتردد عبيد في «اختراع» بعض مقومات البقاء. يسعى جاهداً لتأمين تمويل لإنشاء مشاريع في القرية وآخرها إنشاء ملعب كرة قدم قرب الثانوية. لكن مهلاً، لماذا يوجد ثانوية في بلدة صغيرة؟
ليس وجود المدرسة هو المفاجئ فحسب. عدد تلاميذها يفاجئ أكثر إذ يصل إلى نحو 2000 تلميذ. الأمر بسيط، بُنيت الثانوية في «القرية المهجورة» لأن أحد أبنائها تبرع بالأرض. وعليه، تشكل المدرسة قبلة عدد كبير من أبناء القرى المقيمين في قراهم، ولا سيما منها القرى الست.
السفير