نبيه عواضة
تاريخ المقال: 09-06-2014 02:25 AM
تحت تمثال الشهداء في وسط بيروت، تلاقى الرفاق الذين جُمعوا يوماً في المعتقلات الإسرائيليّة. تلفّت غسان سعيد ابن قرية صاليما بنظرات تتفحّص أحوال رفاقه المحررين بعد سنوات من الاعتقال في معتقل الخيام. فيما كان الأسير المحرّر عفيف حمود منشغلاً بتثبيت إحدى اليافطات التي كُتِب عليها «مجرمون لا ضحايا» وتعلوها يافطة أخرى تحمل مقولة لمهدي عامل تحت عنوان «سنقاومكم».
تلاقى رفاق الأسر المحررين في اعتصام احتجاجي على زيارة البطريرك بشارة الراعي لفلسطين المحتلة. وبالرغم من أن العديد من اللبنانيين استغربوا ما جاء على لسان «غبطته»، إلا أن الأسرى المحررين بالذات لم يستطيعوا «بلع» كلمة «ضحايا» التي قالها الراعي في آذان العملاء من «ميليشيا لحد». ربّما اليافطة التي حملها أنور ياسين وخطّ عليها بعضاً مما عاناه في الأسر من تعليق على العمود والصعق بالكهرباء على يد عملاء فرّوا بعد التحرير إلى الأراضي المحتلّة، تختصر ما يفكّر فيه الأسرى المحررون.
ولكن، لم يكن صوت الأسرى المحررين وحدهم الذي ارتفع تنديداً بكلام الراعي، بل لاقاهم في ساحة الشهداء الكثير ممن استطاعوا الحديث علانية عن رفضهم لكلام البطريرك، غير آبهين بـ«الحساسيات الطائفيّة» التي يتلطّى بها البعض هارباً من انتقاد الراعي.
إحداهن أتت على عكّازها الحديدي بعد خضوعها لعمليّة جراحية. لم تستكن إلا بعد أن علا صوتها مرددةً أسماء العملاء وأفعالهم على مدى سنين طويلة، ليردّد المعتصمون خلفها. الجميـع هنــا للتذكيـــر بما فعله العملاء إبان وجود ما كان يسمّى بـ«جيــش لحد» من مقابر جماعيّة وقتل نساء وأطفال.. ليقولوا في نهاية المطاف: «لا للتطبيع» و«لا لراعي التطبيع».
وفي أحد الممرات تحت تمثال الشهداء، يقف عفيف حمود. مواقف الراعي تعيده بالزمن إلى اليوم الذي عذّب جلاد المعتقل والدته أمام عينيه ليبقى المشهد عالقاً في باله طوال سنوات أسره الـ12 عاماً وحتى خروجه.
مرارة حمود توازيها مرارة أخرى عند غسان سعيد الذي يروي كيف نكّل العملاء بجثة رفيقه الشهيد بيار أبو جودة، ابن قرية رأس الحرف في المتن الأعلى، لحظة وقوعه في الأسر اثر عملية للمقاومة الوطنية. في حين أن سؤالاً يرنّ في بال أنور ياسين وموجّهاً إلى الراعي: «إذا كان العمـلاء ضحايا.. فماذا يكون المقاومون والأسرى والشهداء؟».
وبالقرب منهم يقف الأسير المحرّر رباح شحرور الذي يطلب منه رفيقه أن يروي للمعتصمين عن ليلة اعتقاله الأولى. حينها كان شحرور يبلغ من العمر 14 عاماً يبكي بحرقة، ويطلب من جلاده إطلاق سراحه حتى يستطيع العودة إلى منزله لتأمين مبيت لطيور الحمام خاصّته.
بدا الحاضرون، من ناشطين يساريين وشيوعيين ومستقلين وفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي، مستغربين عدم صدور مواقف واضحة من كلام يتعارض مع القوانين اللبنانية، لا سيّما أن الراعي قام بتبرئة عملاء صادرة بحقهم أحكام قضائية غيابيّة من المحكمة العسكرية في بيروت بالإعدام أو المؤبد.
وبينما تحدّثت باسم المعتصمين الناشطة لمى خير الدين، التي طالبت الراعي بالتراجع عن موقفه والاعتذار، توعّد الأسرى بخطوات تصعيدية أخرى، مرددين أن «العملاء لا دين لهم، فجلادونا كانوا من مختلف الطوائف، كما أن المقاومين أيضاً كانوا من مختلف الطوائف والمذاهب والتيارات السياسيّة».
2800 فار إلى الأراضي المحتلة
تؤكّد مصادر مطلّعة لـ«السفير» أنّ أعداد الفارين إلى داخل فلسطين المحتلة غير مستقرّة، إذ تجاوز عددهم في العام 2000 الـ5000 شخص. وتشير إلى أنّ القسم الأخطر والأكبر منهم أي حوالي الـ2800 شخص مع عائلاتهم، بقوا داخل الأراضي المحتّلة حتى الوقت الحالي، بعد أن فضّلوا الانخراط في الحياة المدنية والسياسية في دولة الاحتلال الإسرائيلي. وعلمت «السفير» من مصادر موثوقة أن الكثيرين منهم بقوا داخل الأراضي المحتلّة بسبب رفض بعض الدول الأوروبية إعطاءهم حقّ اللجوء على أراضيها باعتبارهم مرتكبي جرائم خطيرة على الأراضي اللبنانيّة.
في حين عاد قسم من الـ5000 إلى لبنان (عن طريق الناقورة، حيث يقوم الرجل بتسليم نفسه إلى مخابرات الجيش مباشرةً ليتمّ إجراء المقتضى القانوني بحقّه، في حين تتوجّه عائلته إلى المنزل من دون اعتراض من أهالي القرية والفعاليات الحزبيّة). أما البعض الآخر فقد غادر إلى أوروبا وكندا عبر «مطار بن غوريون الدولي» (مطار اللدّ) بتأشيرات سفر إسرائيلية.
كذلك تشير المصادر نفسها إلى أن قسماً كبيراً من هؤلاء الفارين ينتمون إلى الطوائف الإسلاميّة ومن مختلف البلدات والقرى الحدودية من حاصبيّا إلى الناقورة مروراً ببنت جبيل ورميش.
السفير