ماذا بين السيد وبنت جبيل

يومها ما كان أشبه «بنت جبيل» بفيروز في مسرحية «زنوبيا». كادت تلك المدينة، التي أدار لها الوطن ظهره عبر التاريخ وما زال، تنطق، وهي تستقبل سيد المقاومة في 26 أيار 2000 ، لتقول «اللي بده يصير ما عاد يهمّ..».
ما همّها وقد أسماها صاحب العمامة السوداء «عاصمة المقاومة والتحرير»، فليطلقوا لقب العواصم على ما شاؤوا من المدن، يكفيها أنّها في عينيه وفي عيون المقاومين جميعهم، ما هي عليه.
ومنها، من قلبها القديم الذي احتضن المقاومين الأوائل، وما زال، أطلق «السيد»، يومذاك، عبارته المأثورة: «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت». «بيت العنكبوت» نفسه الذي حاول أن يكسر «بنت جبيل» في تموز 2006، علّه يثبت العكس، فدمّر قلبها ليكتشف أنها سبق وحفرت له، مع جاراته عيناتا وعيترون ومطلها على فلسطين المحتلة، مارون الراس، مقبرة جنوده في «مربع التحرير» الذي أسّس للنصر الكبير.
ما همّها، وقد خصّها السيد حسن نصرالله بزيارته الجنوبية الأولى بعد التحرير، ليتوّجها ملكة. ما همّها وقد أعطاها «السيد» معترفاً لها بدورها وصنيعها.
ما همّها وهي تحتضن اليوم أبناءها يروحون ويجيئون كيفما يحلو لهم، ينعمون بسلام انتزعته البنادق التي فرضت «قواعد اشتباك» على عدوّ شنّ عدوانه بهدف إنهاء المقاومة، وخلص بعد 33 يوماً يتسول إيقاف العمليات الحربية عبر داعميه في عواصم القرار.
ما همّها وهي تغفو وأبوابها مفتوحة مسلّمة أمرها لحراس المكان والحدود، وهل أوفى من ردّ الجميل هذا وذاك؟
ما همّها «بنت جبيل». هي قبل زيارة «السيد» شيء وبعدها شيء آخر. بعدها، تلوّنت المدينة بفرحها، وكرّست نفسها عنواناً ثابتاً للمقاومة، وجمعت المجد التاريخي المخضرم من «بيت الشمس» الرومانية إلى «عاصمة المقاومة والتحرير».
في بنت جبيل، عند عمامة «السيد» تنتهي حكاية، وتبدأ حكايات.
23 أيار 2000، بيت ياحون وفجر، فأذان وصلاة، سيارات ومواكب، ودروب طالت بطول أيام الاحتلال وسنواته، دروب أكلتها السنون، كما أكلها النسيان الا من ذاكرة قلة، هنا المعبر كان، وهنا عملية الأسيرين، هنا كونين، وصف الهوا وموقع الـ 17، وهنا بنت جبيل، وبعد.
ساحة السوق، وجوه هائمة ونظرات سابحة في عجقة الوجوه، وزغاريد، دبكة ونثر أرز، وعناق بطول الفراق، وتكبيرات العيد، وحرية، وبعد.
26 أيار 2000، رايات صفراء تلوّن أسطح المنازل في القرى المحررة، وقرى ضجت بأهلها، وقلوب تسير على غير هدى، في الحارات والحقول، في دساكر الأزقة، وبين الألغام، قلوب سارت وطارت وسبحت في فضاءات النصر.
ما الخبر؟ «السيد» في بنت جبيل، ووجوه ما عادت تتسع للفرح، للضحكات، وعيون أغرقها الدمع، وصلوات. قلوب مفتوحة للآتي الاستثنائي. ضاقت بنت جبيل بالقادمين وهي التي اتسع نصرها ليغطي فضاءات الوطن والأمّة، اتسعت لكل تلك القلوب، لكل هذا الشوق، لكل هذا النصر.
نصران في يومين، مقاومة تحرّر الأرض و»سيّدها» يشق الصفوف، ثم يعتلي المنبر في بنت جبيل. يخطب، يهنئ. يتذكر كل المقاومين. يهدي النصر. يهدد العدو ويتوعّده ويزف بنت جبيل «عاصمة المقاومة والتحرير».

المصدر: السفير
علي الصغير

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …