لماذا سارع سعد الحريري ووليد جنبلاط الى ملاقاة الحرب السعودية على اليمن بتأييد «عاصفة الحزم»؟
سواء أكان الحريري محقاً او متسرّعاً في موقفه، فله أسبابه التي بنى عليها تأييده الحرب، وهو موقف يراه البعض أكثر من طبيعي باعتباره من بديهيات علاقته بالسعودية.
لكن هناك في «البيت السعودي» مَن له قراءة مختلفة تعتبر أن موقف الحريري كان يمكن أن يكون طبيعياً جداً لو كان العهد الملكي السابق ما يزال على رأس السلطة، الا انه في العهد الملكي الجديد ما هو إلا محاولة من الحريري لتأكيد انتمائه ومبايعته للعهد الملكي الجديد، ومن أصحاب هذا الرأي مَن يسأل «هل ستفتح المملكة قلبها له؟».
ولوليد جنبلاط أسبابه، أيضاً، في المسارعة إلى تأييد تلك الحرب. هو برر وقوفه مع السعودية باعتبار ما يجري في اليمن يهدّد أمن السعودية والخليج، ومصالح اللبنانيين فيها، لكن هناك مَن يعتقد أنه في موقفه يقرع باب العهد الجديد في السعودية لعله يفتح أمامه العودة بالعلاقة مع المملكة على نحو ما كانت عليه في ما كانت تعتبر الحقبة الذهبية، يوم كان متصدراً «14 آذار» .
والسؤال نفسه يُطرح في المقابل، لماذا جاء السيد حسن نصرالله بخطابه الناري ضد السعودية، وقطع فيه كل الخيوط معها، وأطاح كل الضوابط التي كانت تحكم هذه العلاقة منذ سنوات؟
واضح أن نصرالله نزل الى حلبة المواجهة المباشرة مع السعودية، وسمّى الأشياء بأسمائها من دون تحفظ أو مداراة أو مسايرة. هو عملياً قال ما يتردّد في مجالس «حزب الله»، وإن كان في يد «السيد» ما يمكن تسميتها «مضبطة اتهامية» كاملة وبمفعول رجعي تفيض بالأسباب، «وبالأدوار التدميرية والتخريبية التي قامت بها السعودية في لبنان وكل المنطقة».
تلك المضبطة تؤكد، وفقاً لمراجعة سريعة حصلت في أحد تلك المجالس، أن السعودية «كانت دوماً في موقع المبادر إلى الهجوم العدائي على حزب الله، ولطالما تمّت ملاقاتها بالعضّ على الجرح واستيعاب الصدمات. وثمة أمثلة كثيرة، منها: متفجّرة بئر العبد في الثمانينيات، تغطية عدوان تموز 2006، رعاية وتمويل الإرهابيين في سوريا، الإرباكات في الضاحية الجنوبية العام الماضي، مبادرة السعودية في تشرين الثاني الماضي الى مطالبة مجلس الامن بوضع «حزب الله» على لائحة الإرهاب، سعي السعودية ومعها قطر في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف قبل أيام قليلة الى إدانة الحزب واعتباره منظمة إرهابية».
بالإضافة إلى ذلك، في رأي تلك المراجعة، أن هناك أسباباً آنية استجدت مع الحدث اليمني، أوجبت إطلالة نصرالله، ومنها:
اولاً، استشعار خطر كبير يحضر ضد الشعب اليمني ووحدة اليمن، وبُني هذا الاستشعار على مصادفات مريبة. في آذار 1996 اجتمع العالم الغربي برعاية أميركية وحضور اسرائيل في شرم الشيخ تحت مسمّى «مؤتمر صانعي السلام»، بهدف حصار المقاومة والإطاحة بها، وهو المؤتمر الذي أعقبه عدوان تموز 2006 تحت عنوان «عناقيد الغضب». وفي شرم الشيخ نفسها يكاد المشهد نفسه يتكرّر، عدوان على اليمن بالتوازي مع قمة عربية تغطي العدوان وقد تؤسس لما هو أخطر.
ثانياً، هناك طوفان من الاكاذيب وتزوير الحقائق والوقائع، فكان لا بد من توجيه رسالة في كل الاتجاهات لجلاء الصورة وإبراز الأمور على حقيقتها، سواء في لبنان او في المنطقة.
ثالثاً، هناك كمية هائلة من التحريض المذهبي والقنوات الفضائية تقارب الحدث اليمني بلغة طائفية ومذهبية كريهة، بإبراز إيران كنافخ في نار الفتنة بين السنة والشيعة. هنا تبدّت الخشية من انحدار الوضع الى منزلقات طائفية ومذهبية يصعب احتواء نارها التي قد لا يكون أحد بمنأى عن نارها في لبنان وكل المنطقة، وهذا من الأسباب الاساسية الدافعة لإطلالة السيد نصرالله، ليضع الأمور في الإطار الصحيح، وليؤكد أن ما يجري في اليمن ليس حرباً مذهبية بل أمر سياسي له أسبابه وأبعاده، وليخاطب اليمنيين وكل المسلمين سنة وشيعة: لا تذهبوا الى المكان الذي تريد ان تأخذكم السعودية إليه.. المطلوب هو الحل السياسي.
رابعاً، القلق على القضية الفلسطينية، ومن هنا أراد نصرالله مخاطبة العرب: «الى فلسطين دُرْ»، فقد صار يخشى من أن مزيداً من الحروب يعني مزيداً من التجزئة والتفتيت ومزيداً من الابتعاد عن القضية الفلسطينية ومزيداً من الانغماس في الحروب المذهبية، وهذا سيؤدي الى مزيد من التقاتل بين السنة والشيعة في المنطقة.
خامساً، أراد أن يقول للسعودية إن ما تقوم به مغامرة، وإنها ليست أقوى من أميركا ولا إسرائيل. لعلها تتراجع وتتوقف قبل الهزيمة المحتّمة في اليمن.
سادساً، أراد أن يخاطب بعض الداخل اللبناني: لا تكرروا خطأكم عندما راهنتم في 2006 على كسر المقاومة وكانت النتيجة أن انهزمت اسرائيل، وكذلك عندما راهنتم على سقوط بشار الأسد.. فأمام الحدث اليمني، لا تستعجلوا الأحكام ولا تراهنوا على سراب. اهدأوا وانتظروا النتائج…