الشيخ ياسر عودة وتفكيك أدوات المتلاعبين بالعقولليست المرة الاولى التي يتعرض فيها الشيخ ياسر عودة لهذا الهجوم الشرس، فالتهديدات بالقتل أصبح يسمعها بأذنيه بعد ان كان يقرأها على صفحات التواصل الاجتماعي، فالتحريف المحترف الذي تعرّض له شريطه المصوّر وهو يشرح آيات القرآن الكريم في جامعه في حي السلم، أظهره وكأنه يتعرّض للنبـي الكريم، مما اضطر قناة ((الايمان)) وإذاعة ((البشائر)) (وهما مؤسستان تابعتان للمرجع الراحل محمد حسين فضل الله) الى إيقاف إطلالته من خلالهما.
الشيخ ياسر عودة
الضغوط والحرج الواقع على القيّمين على هذه المؤسسات، وهي المستهدفة دائماً من فئة ((المتربصون شراً)) بالمرجع الراحل، كانت أكبر من القدرة على حماية الشيخ ياسر. وما كان برنامج ((فقه الشريعة)) ببرنامج إثارة بل هو برنامج فتاوى، لكن الصرخات الاحتجاجية للشيخ على الاوضاع القائمة والأفكار المهيمنة، وما يتضمنها من طموحات إصلاحية للفقه وهي في أغلبها شروحات لأفكار السيد فضل الله.
وخطورة ما فعله الشيخ ياسر عودة انه بدأ بتفكيك أدوات كثيرة يستعملها ((المتلاعبون بالعقول)) وهم المسيطرون بالإيحاء النفسي الذي يصل الى حد ((التنويم المغناطيسي)) على جموع كبيرة من الناس لا تعرف أحكام شريعتها وفكر عقيدتها الا من خلالهم، وهم يبثون فيهم كثيراً من أفكار الخرافة والتفريق بين جموع المسلمين لتبقى هذه الجموع ((غب الطلب)) لتحقيق – دائماً وأبداً – أهداف سياسية ومصالح آنية زائلة.
مجلة الشراع العدد 1806 تاريخ10 تموز2017
فتقوى الشيخ ورفضه للتكسب جعلاه يتصدى لكثير من الألغام المزروعة في حقول العقول والمفرقة للمسلمين والمروجة للتعصب مما جعله في مواجهة بعض المرجعيات الدينية، فمن رفضه لـ((الولاية التكوينية)) – وهذا رأي أستاذه السيد فضل الله – اي قدرة أئمة أهل البيت الذين يعتقد بهم الشيعة الاثني عشرية المعنوية دون الجسدية على التصرف بالكون وبعرض أعمال البشر عليهم، واعتباره هذا شركاً بالله، كذلك برفضه دعاء ((التوسل)) بآل البيت، وهو الذي روّج له بشكل واسع مع الدخول الايراني في الثمانينيات الى لبنان وإلزامهم محازبيهم بالدعاء به كل ليلة أربعاء. كذلك اعتباره ان المؤهل للتصدي لاستنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم هو العالم باللغة العربية وصاحب الذوق المعرفي فيها (ومَن من الناس أوْلى من العرب في هذا)، وغمزه من قناة الأموال المتوافرة تحت أيدي المراجع دون ان يستفيد منها الناس، كانتقاده صرف اكثر من 300 مليون دولار على تذهيب قبب المقامات دون صرفها لبناء بيوت لتـزويج الشباب غير القادرين.
فيما هجومه على الإخباريين وقرّاء العزاء فمشهود، وتكذيبه لما يروون من أحاديث وتواريخ مبالغ فيها جداً تصل الى حد الغلو.
فمن مقولة ((من ردّ على الامام ردّ على الله)) التي يفنّدها بشكل غير مباشر ويعتبر ان عصمة الإمام تقع فقط في تبليغ أحاديث الرسول الكريم ولا يخطىء فيها، وهو يتبع في الرأي رأي الإمام الخوئي ويبتعد عن رأي استاذه فضل الله الذي يرى ان عصمتهم ترث عصمة الرسول في ((يعلمهم ويزكيهم))، إلى مقولة من مات بلا تقليد مات ميتة جاهلية مما يلزم الناس على تقليد مرجع واحد دون أن يستفيد من آراء مراجع آخرين، فيعتبرها بكل بساطة عملية تنظيمية فقط وليست مقدسة.
ومن طروحات الشيخ إزالة الاسلاك الشائكة والمتاريس المتراكمة بين الشيعة والسنّة، من خلال تحريم سبّ الصحابة ونهش عرض الرسول عبر تناول سيرة أم المؤمنين عائشة، وتعبيراته التي ترى ان السنّة بدل أن تقدّر الصحابة عصموهم عن الخطأ والشيعة بدل أن يعصموا الأئمة جعلوهم أرباباً، ولا يبالي الشيخ ان يخالف منظور جماهير الشيعة إلى الحرب السورية حين يُسأل على الهاتف عن قتل الشيخ محمد سعيد البوطي، فيرفض قتل العلماء لكنه في المقابل يرفض قتل وحرق الناس بالبراميل والتجويع والحصار.
وما كانت هذه النبرة الاصلاحية واقفة على شؤون فقهية فقط، فقال الشيخ ما ضاق به صدر الناس من أوضاع معيشية صعبة وفلتان أمني في الضاحية الجنوبية وسكوت مدوٍ للقائمين عليها وعلى شؤونها، فكان له انتقاداته الصارخة رافضاً أن يعامل الناس الذين تحملوا الدمار والتهجير في سبيل المقاومة خلال حرب 2006 بهذا الشكل، فمن تفلت السلاح إلى تفشي المخدرات وحرية تنقل تجارها، وفرض خوات وتنازع السيطرة على الاحياء بين بعض العشائر، وفوضى وسوء تنظيم.
وهذا التناقض الصارخ بين الواقع ومُثُل ((خير أمة أخرجت)) والخراب المعمّم على الدول العربية وفساد الذمم وسماع ((الأهوال)) من الموبقات عن ((المؤمنين)) و((الحجاج)) ومدعي التزعّم الديني، هل ان مواجهته يكفيها إصلاحات من هنا وهناك وإعلاء صوت مثلما يفعل الشيخ ياسر عودة، أم ان هناك حاجة لما هو أعمق ومن نوع ثورة فكرية تتجاوز حدود الحركة الاصلاحية؟.