بقلم الأستاذ علي إبراهيم طالب
وندسور كندا
لحظة فرح ونجاح تلك التي وقف فيها صابر امام عميد الكلية ومجلس أمنائها وهو يتّسلم من العميد شهادة تخّرجه من تلك الكلية التي أمضى بين جدرانها وجنباتها ثلاث سنوات من الدرس والعمل المتواصل والمضني في سبيل النجاح كان يحمل الشهادة التي أستلمتها للتو في يده اليسرى فيما اليد اليمنى كانت منهمكة بمصافحة باقي أعضاء مجلس الأمناء الذين هنأوه بدورهم على لحظة التخرج بعد طول عناء وسط حضور كثيف لجمهور كبير ملأ مدرجات الملعب الداخلي للكلية فيما جلس المتخرجون والمتخرجات على أرض الملعب الرئيسي على كراسي رُتبت بطريقة مميزة وفي أجواء احتفالية رائعة .
منذ اللحظة الاولى لوصول صابر إلى هذه البلاد في أوائل العام 1991 حلم على الدوام بمعاودة الدراسة والحصول على شهادة جامعية تؤهله للفوز بعمل جيد ومدخول ثابت في هذه البلاد بعد ان قضت الحرب اللعينة في وطنه لبنان من تحقيق حلمه وحلم عشرات الآلاف من الشباب مثله بحياة مُشّعة عمادها العلم والمعرفة والتّقدم .
كان يحمل في قلبه حب كبير لخير الناس جميعاً وعنده من المواهب والحوافز الشيء الكثير لتحقيق حلمه في هذه الحياة السريعة .
يُعتبر صابر من مواليد جيل الحرب الرهيبة التي شهدها لبنان منذ العام 1975 وهو كغيره من أجيال عديدة اكتوت بنار الحرب وشعرت بلهيبها وبأسواطها اللاسعة المتتالية التي أحرقت الأخضر واليابس في وطن كان أبناؤه يتغّنوا على الدوام على أنه وطن الجمال والنور والفرح ، ويفاخروا على الدوام انه كان يعرف بسويسرا الشرق .
كان صابر مُسّلماً على الدوام بإنسانيته المعهودة التي تحترم ميزة الانسان بغّض النظر عن الدين والمعتقد وحرية الرأي والفكر وما إلى ذلك من حقوق وواجبات وهو يعتقد أن هذه الحياة هي قصيرة جداً حتى يمضيها الانسان بالكره والإساءات والشرور .
من لحظات التّخرج تلك لم يكن قد مضى على وفاة والد صابر أسابيع معدودة فبكى طويلاً كما لم يبك من قبل لمعرفته بأن والده الراحل لو كان على قيد الحياة في هذه الساعة لكان يشعر بانه اسّعد إنسان لأنه يرى ابنه البكر صابر وهو يحصد النجاح الذي عمل على بنائه لسنوات عديدة وشاقة وهو الذي افتخر ان أولاده هم الرصيد الحقيقي له في هذه الحياة ولكن تأبى الأقدار لتلك العائلة التي كانت يوماً سعيدة وهانئة بان تبقى علائم السعادة ترفرف فوقها على الدوام .
بكى صابر طويلاً ومن قال أن الرجال لا تبكي ؟؟
فأحيانا كثيرة يكون المصاب جلل والقدرة على تّحمل الآلام والاحزان أكبر من ان تمر بسهولة ويسر قد يضعف أمامهما الحس الإنساني لأي كائن بشري في هذه الحياة .
لم ين صابر في هذه العجالة ان زوجته الطيبة وقفت إلى جانبه وكانت المساند الرئيسي له والمشجع على الدوام لمتابعة دروسه والنزول إلى جانبه في ساحات العمل المضني في سبيل سعادة ونجاح زوجها وباقي أفراد عائلتها المكونة من شباب وصبايا يبلغ اكبرهم من العمر سبعة عشر عاماً وفتاة هي اخر العنقود على مشارف عامها الحادي عشر .
يختزل صابر في قلبه كل هذا الحب والمشاعر الصادقة لأهله ولعائلته الصغيرة وبالتالي لكل الناس الذين يتعامل معهم بصدق وطيبة غريبة أصبحت على ما يبدو كالعملة النادرة في هذه الحياة السريعة التي يلهث خلفها الجميع وراء المادة ولعل البعض نسي في خلال هذه الزحمة أن الله تعالى اسمه الحق وهو القادر على كل شيء والذي يقول للشيء كن فيكون في حياة متسارعة على الإنسان أن يحافظ فيها على مروءته وإنسانيته إلى آخر العمر .
الوسوموجدانيات
شاهد أيضاً
في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)
قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …