نبيل هيثم
AM 01:56 2014-09-15
في زيارته الأخيرة لمصر، سعى وليد جنبلاط إلى تجميع الصورة المبعثرة للمنطقة، عن حاضرها المأزوم، وأي غد ينتظرها، وأي مدى ستبلغه ارتدادات الزلزال الداعشي.
جنبلاط، القلق، التقط أجزاء من تلك الصورة جعلته يقلق أكثر ان تكون المنطقة برمّتها في خضم مخاض عسير يفضي الى تغييرات جذرية لا تمحو حدوداً قائمة، بل قد تمحو دولا.
مع صديقه محمد حسنين هيكل لمس خيبة أمل ومرارة من «أحدهم» اعتبر يوماً مناضلا ضد العدو الاسرائيلي. وفي العشاء مع عمرو موسى كانت «الفوضى البناءة» هي التوصيف الدقيق لما يجري في المنطقة، وهو العنوان الذي وضعته كوندليسا رايس للشرق الاوسط الجديد، بما يخدم اسرائيل. هناك مايسترو يثير الفوضى من حولها، وهي وإن كانت مستفيدة حاليا فلن تكون كذلك على المدى الطويل، على حد تعبير جنبلاط.
أما في اللقاء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فقد تبين لجنبلاط أنه يعرف لبنان جيداً، وقد أوصى بإلحاح:
ـ عجلوا بالوصول الى تسوية داخلية في لبنان تشمل الجميع، ولا تستثنوا منها أي فريق لبناني، وخاصة «حزب الله».
ـ سارعوا الى انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن.
ـ لبنان يعني مصر، ونحن نعتبر أمنه واستقراره جزءًا من أمننا.
لاحظ جنبلاط أن السيسي يستشعر خطر «داعش» ولا يقلل من حجمه، وقد قال صراحة «ان خطر داعش هو خطر داهم على الكل من دون استثناء». وكان لافتا للانتباه قوله ايضا «ان من يستخدم الدين بالسياسة، فهذا سينقلب حتماً على من يستخدمه».
لعل مصر السيسي تريد أن يكون لها دور فاعل ومتصدر في المنطقة، لكن دولة الـ87 مليون نسمة مكبلة بالضغوط، فالاقتصاد متهاوٍ اضطره الى قرارات غير شعبية، والدعم السعودي يسد بعضاً من العجز ولكنه غير كاف، ناهيك عن سياحة منعدمة. والأخطر من كل ذلك هو الفوضى الليبية التي تشكل عاملاً ضاغطاً على الأمن القومي المصري، بالإضافة الى سيناء كملاذ للإرهابيين، وهناك من يلقي الاتهامات على «حماس» ويأخذ عليها أنها «لم تستطع أن تكون فلسطينية قبل أن تكون اخونجية».
في ما خص الداخل، جنبلاط ليس مطمئناً أبدا. الكل في مأزق، والموضوع الرئاسي مقفل، والجهل مستشر، كما العصبيات السياسية والمذهبية التي تتولد عنها التوترات والاحتقانات، وكذلك الرهانات والحسابات المرتبطة كلها بالأزمة السورية.
أما في المنطقة، فكرر جنبلاط ترحمه على «سايكس بيكو»، لأنه «لا أحد يعرف أين يمكن أن تصبح حدود داعش».
على ان اللافت في مقاربة جنبلاط لتلك التطورات هو تكراره القول «عينكم على الجولان، وأخشى أن تقيم اسرائيل جداراً طيباً على غرار ما أقامته مع لبنان في السبعينيات». لينتقل من ذلك الى رسم علامات استفهام حيال التحالف الدولي الذي ترعاه الولايات المتحدة لضرب «داعش»، وفي رأيه ان «هدف هذا التحالف هو انهم لن ينهوا داعش في العراق بل قد يحجمونه ويبعدونه عن مناطق النفط والغاز بالتوازي مع محاولة إنشاء صحوات سنية لتقاتل داعش، ولا أعرف إن كانت ستنجح ام لا»؟
أما الهدف الثلاثي الذي حدده الرئيس الاميركي باراك اوباما بضرب «داعش» ودعم تسليح المعارضة المعتدلة وإسقاط نظام بشار الأسد، فهو في رأي جنبلاط «نظرية لا أعرف كيف يمكن أن تتحقق، بل هي تحتاج الى تفسير، ومن يجد هذا التفسير فليقدمه لنا ونشكره. ألم يقولوا في السابق بدعم المعارضة السورية، ألم يقيموا لها مخيمات تدريب؟».
في جنيف، يذكر جنبلاط، «طرحت فكرة الحكومة الانتقالية في سوريا، لكنها فشلت والمعارضة أصرت على إسقاط بشار قبل الحكومة الانتقالية، وهذا لا يحل المشكلة، المطلوب مرحلة انتقالية وعقد تسوية مع بشار ومشاركته، فهل يمكن الوصول الى أية تسوية أو مرحلة انتقالية وبشار خارجها؟ وحتى ولو تم الوصول الى تسوية ما، أياً كان شكلها، فستبرز معضلة أكبر وهي «تغيير بشار بمن؟.. لا أعرف»!
ولكن قبل كل شيء، يقول جنبلاط، «يجب الحفاظ على وحدة سوريا، ولكي يتم الحفاظ على وحدة سوريا يجب الحفاظ على الجيش السوري وهو الأمل المتبقي. ولكن مع الأسف هذا الجيش يتآكل ويستنزف، وأخشى مع استمرار النزف والتآكل ان يصل الى يوم تتقلص رقعة سيطرته بما يؤدي الى فرطه ويذهب كل واحد فيه الى قطيعه المذهبي». وأما الحل المثالي برأي جنبلاط فهو «الإبقاء على البنية المركزية للجيش»، وهذا يتطلب أن تخرج منه ما سماها رئيس التقدمي «العناصر المشبوهة»، واستيعاب من يمكن استيعابه من المسلحين.
السفير