صفقة أعزاز وضمانة نصرالله
يبدو أن الأطراف المعنية بتفاصيل صفقة إطلاق مخطوفي أعزاز تحبّذ الاستمرار في التكتّم. المسألة تتصل بأمور حساسة لها صلة بمصير مخطوفين آخرين في سوريا، كذلك لها صلة بأدوار اللاعبين الأكثر تأثيراً في ملفات حساسة كهذه
ابراهيم الأمين
في لحظة التوتر الأوسع الذي تشهده الحدود التركية ـــ السورية تصرفت أنقرة بصراحة شديدة حيال ملف المخطوفين، وطلبت تفعيل الوساطات من أجل إقفال هذا الملف، تمهيداً لخطوات أخرى تريد القيام بها في إطار «ترتيب الوضع الحدودي» بعد تقدم قوات داعش.
قال الأتراك إنهم يريدون حلاً يوفّر إنهاء الأزمة مع حزب الله وإيران ولبنان، وإعادة الطيارين التركيين، ومن دون أثمان أخرى، ولتتولَّ قطر العملية برمّتها وتكسب ما تريد أن تكسبه.
عندما سارع القطريون إلى إبلاغ لبنان الاستعداد لخطوات عملانية سريعة، كان الأتراك قد أنجزوا ممارسة ضغوط ميدانية تتيح منع وضع المخطوفين اللبنانيين في «أيدٍ غير أمينة»، وأعاد القطريون إثارة موضوع المقابل الذي تريده الأطراف المعنية:
1 ـــ تركيا، تريد إقفال الملف وإعادة الطيارين.
2 ـــ لبنان يريد إطلاق المخطوفين.
3 ـــ الخاطفون يريدون ضمانات لحرية أشخاص منهم ويريدون أشياء أخرى، من بينها الأموال، ثم ما يتعلق بمصير معتقلين في السجون السورية.
4 ـــ سوريا الدولة تريد حرية المطرانين المحتجزين في شمال حلب.
التسارع في الاتصالات على وقع التطورات الميدانية في مناطق نفوذ «لواء عاصفة الشمال» والضغط التركي وصلا إلى حدود وضع إطار علاج «لبناني ـــ تركي» للمسألة، أي الاكتفاء بأن تقرّ تركيا بمسؤوليتها عن رعاية الخاطفين، وأن تجري مقايضة بين حرية اللبنانيين وبين حرية الطيارين. لكن الأتراك أظهروا تحسّساً من هذه النقطة، وقطر أرادت إضافة ما يتصل بالمعارضة السورية، والمجموعات السورية المسلحة نفسها سعت إلى تحصيل أثمان تخص المعارضة السورية. ولذلك جرى العمل سريعاً على وضع إطار ثانٍ يضم مسألة مصير السجينات السوريات إلى الصفقة.
تحرك الجميع، وفي لحظة بدت فيها قطر خائفة من تعطّل المشروع ما دامت سوريا لم تعلن موقفاً. وفي دمشق، لم تكن الأجواء مريحة تماماً. المسؤولون السوريون تساءلوا: ما الذي تجنيه دمشق من مقايضة كهذه؟ كيف لنا أن نقبل اشتراطات تخص ملف مواطنين سوريين مع دولة أخرى؟ ما الذي يدفعنا إلى تسهيل وساطة تريدها قطر وتركيا وآخرون هم في موقع العداء للدولة السورية والحكم فيها؟
ضمانة نصرالله
في هذا الوقت، طلب القطريون دوراً لبنانياً مع المسؤولين السوريين. وكان هناك مَن هو أكثر وضوحاً، فطالب بالسعي إلى تدخل مباشر من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لدى الرئيس السوري بشار الأسد لأجل تسهيل الشق السوري من الصفقة. نقل الطلب إلى السيد نصرالله الذي لم يتأخر في مهاتفة الرئيس السوري وطلب الدعم والتسهيل. ولم يكن أحد يتوقع أن يرد الأسد طلباً لـ«أكثر الرجال وفاءً لسوريا»، والمقصود السيد نصرالله، على حدّ تعبير أحد الدبلوماسيين المعنيين بالملف.
عندما أبلغت سوريا يوم الجمعة الفائت موافقتها نزولاً عند رغبة السيد نصرالله، أوضحت أن ضمانة السيد كافية وثابتة وأكيدة، لكن هناك أموراً إجرائية لا يمكن إخضاعها لمزاجية أو مطالب المجموعات المسلحة أو قطر أو تركيا.
وبعدها، كان الترتيب بأن سوريا سوف تعالج مسألة المعتقلات السوريات على طريقتها، ودون أي جدول زمني أو شروط أو إجراءات لوجستية معينة. وهذا ما حصل.
رسائل قطر
عشية الصفقة وبعدها، جرى الحديث عن رسالة قطرية إلى سوريا وإلى إيران وإلى حزب الله، لكن الأكيد أن أي رسالة لم تصل إلى أي من هذه الجهات. القطريون قالوا إنهم يخدمون حليفهم التركي، ويريدون رفع المسؤولية عنهم إزاء مصير المختطفين اللبنانيين، لكنهم أرادوا من خلال أحد الوسطاء البعث بإشارة إلى استعداد للانفتاح على سوريا وعلى حزب الله وعلى إيران، وهم لا يريدون إهمال هذه الصفقة كفرصة للإعراب عن هذا الاستعداد.
في بيروت، كما في دمشق، سمع المعنيون بالرسالة الخبر، لكن ليس هناك ما يوجب الإجابة، وما فعلته قطر في إنهاء ملف المختطفين لا ثمن له بأكثر من كلمة الأهالي: شكراً.
الدور الفلسطيني
للسلطة الفلسطينية في تركيا سفير هو نبيل معروف، يتمتع بشخصية تبدو شديدة التأثير في أوساط دبلوماسية وغير دبلوماسية، ولديه شبكة علاقات جيدة في أكثر من مكان، ووجوده في تركيا أتاح له التعرف على تفاصيل كثيرة تخص الازمة السورية. وعندما حصلت عملية الخطف، طلب اليه الرئيس محمود عباس التدخل. ويروي مقربون من الدبلوماسي الفلسطيني أن الصفقة كانت ممكنة في بداية الازمة، لكن الخاطفين كانوا يبدلون موقفهم بين ليلة وأخرى.
لكن، يبدو أن عباس تلقّى إشارات من مصادر عدة الى إمكان العمل من جديد والوصول الى نتائج. وهو عاد وطلب من معروف التحرك. وتم وصله باللواء عباس إبراهيم من خلال السفير الفلسطيني في بيروت أشرف دبور. وبعد تذليل عقبات عدة، تم الاتفاق مع الجانب التركي، قبل أن يتولى السفير معروف القيام بجولات مكوكية بين الدوحة وأنقرة قبل الحصول على إشارة حاسمة إلى أن الاتفاق صار ممكناً، وأنه ينتظر خطوة من الجانب السوري، ولا سيما أن السفير معروف كانت لديه اتصالاته أيضاً مع هيئة العلماء المسلمين التي طلب إليها التدخل لدى مجموعات مسلحة سورية.