قائد الانتحاريين» نعيم عباس: هكذا خططتُ لإحراق «الضاحية»
شبكة الضاحية – السفير – لينا فخر الدين
بين تموز 2013 وتموز 2014، هزّ لبنان 19 انفجاراً وقع معظمها في الضاحية الجنوبيّة لبيروت. عاش اللبنانيون عاماً كاملاً تحت وطأة تحوّل لبنان إلى «أرض جهاد»، ولكنّهم لم يعرفوا أن الكثير من تلك الجرائم الإرهابيّة كان يقف خلفها شخص واحد. إنّه نعيم محمود الملقّب بـ«نعيم عباس» الذي تمّ توقيفه في شباط 2014.
واللافت للانتباه أنّ هذا الرجل الفلسطيني (45 سنة)، جلس في أحضان مجموعات ارهابيّة عدة، من «القاعدة» ثم «كتائب عبدالله عزام» مروراً بـ«داعش» لينتهي به المطاف موالياً لـ«جبهة النصرة».
لم يكن ولاء «أبو اسماعيل المقدسي» (لقب عباس) في الكلام فحسب، وإنّما كان هو «الرأس المدبّر» لأربع عمليات تفجير في قلب الضاحية الجنوبية، وهو المسؤول المباشر عن إدخال أكثر من 6 سيارات مفخّخة من سوريا إلى لبنان، بالإضافة إلى كونه مرشد الانتحاريين ومدرّبهم الوحيد.
في أرشيف ابن مخيّم عين الحلوة والمقاتل السابق في صفوف حركة «فتح» و«الجهاد الإسلامي» الكثير من العمليّات التي أماط اللثام عنها خلال التحقيقات معه. هو صاحب فكرة إطلاق صواريخ من لبنان إلى فلسطين المحتلّة بالتعاون مع توفيق طه، وهو الذي ذهب إلى سوريا لتدريب مجموعات مسلّحة على استخدام الأسلحة الخفيفة وإطلاق الصواريخ، وهو أيضاً الذي قاتل إلى جانب المجموعات المسلّحة ضدّ الجيش السوري قبل أن يختلف معها ويعود أدراجه إلى لبنان في بداية 2013.
في هذا العام بالتحديد، قرّر نعيم عباس الثأر من «حزب الله»، فكانت البداية أن توجّه إلى منطقة بسابا برفقة أحمد طه لإطلاق 3 صواريخ سقطت في مار مخايل (الضاحية الجنوبية)، وذلك رداً على خطاب السيد حسن نصرالله عندما أعلن حينها التدخّل في سوريا.
ولأن «أبو اسماعيل» تتلمذ على يدي توفيق طه في تفخيخ السيّارات خلال التسعينيّات، قرّر أن يترك هوايته في إطلاق الصواريخ وينتقل رسمياً إلى مهنة تفخيخ السيارات ونقلها.
قبل أقلّ من 24 ساعة على تنفيذ عمليّة بئر العبد، تمكّن «أبو اسماعيل» بالتعاون مع اللبناني حسين زهران من سرقة سيارة «كيا» من صاحبتها بقوة السلاح على طريق خلدة. تمّ نقل السيارة إلى السعديات حيث أحضر عمر صالح الملقب بـ«أبو فاروق» (من مجدل عنجر) المتفجّرات. وبعد أقلّ من تسعين دقيقة، كان نعيم عباس يقف على طريق الناعمة البحريّة ويعمل على تجهيز السيارة بالمتفجّرات لينتهي منها حوالي الساعة 9 صباحاً حينما قادها وركنها في موقف صبرا متوجّهاً سيراً على الأقدام إلى منزله المستأجر في الطريق الجديدة.
وبكلّ برودة أعصاب، استحمّ «أبو اسماعيل» وبدّل ملابسه ثم قاد السيارة المفخّخة الى بئر العبد. ولأنّه لم يجد موقفاً على الطريق، ارتأى ركن السيّارة في موقف تماماً كما ارتأى ضبط ساعة الانفجار بعد 55 دقيقة، ليتسنى له الهرب عبر التنقّل بسيارات أجرة عدة من منطقة إلى أخرى.
وبعد ثلاثة أشهر من انفجار بئر العبد، كان «أبو اسماعيل» يمكث في يبرود حيث التقى، بتدبير من الأمير السابق لـ «داعش» في «قاطع القلمون» أحمد طه، القيادي في «داعش» الملقّب «أبو عبدالله العراقي» ليتفقا على تسلّم وتسليم سيارة مفخّخة من نوع «غراند شيروكي» متوجّهة إلى بيروت.
كان الشيخ عمر الأطرش الملقب بـ «أبو عمر» مكلّفاً بنقل السيارة من البقاع الى قرب جامع «الخاشقجي» في منطقة قصقص (بيروت)، حيث استلمها منه بهاء السيد يرافقه زوج شقيقته محمّد الظريف وشخص تونسي ملقّب بـ «أبو محمد» وآخر سعودي (هؤلاء جميعاً قتلوا أو ألقي القبض عليهم مع آخرين على حاجز الأولي وحاجز ظرفي في مجدليون جراء الاشتباه بهم ثمّ قيامهم باعتداء على الجيش بعد انكشاف أمرهم).
ركنت السيارة في موقف صبرا لمدة 3 أيام وكان المفتاح بداخلها. وبعد هذه الفترة، طلب المسؤول الشرعي السابق لـ «داعش» الملقّب بـ «أبو الوليد المقدسي» (قتل قبل يومين) من أحمد طه أن يتمّ التواصل مع قتيبة الصاطم لتنفيذ العمليّة.
وفعلاً، تمّ الاتفاق على لقاء الصاطم ونعيم عباس في محلّة الكولا، حيث حمل الأوّل كعلامة للتعارف قلمين لون أحمر بيده. وبعد ذلك، أرشده عباس على الطريق التي سيعتمدها لاستهداف المكتب السياسي لـ «حزب الله» في حارة حريك، ثمّ كرّر الأمر نفسه ليلاً.
وعند الساعة الثالثة والنصف من اليوم التالي، استقل الانتحاري الصاطم وعباس سويةً السيارة التي تمّ ركنها لفترة في قصقص، وقام الأخير بإرشاد الصاطم إلى كيفية التفجير كهربائياً ثمّ يدوياً عبر صاعق القنبلة. وبعد انتهاء مهمته، ترجّل عباس من السيارة عند جسر المطار، ليكمل الانتحاري طريقه إلى حارة حريك حيث وقع الانفجار بعد برهة زمنية قصيرة.
وبرغم تدريبات عباس، لم يستطع الصاطم استهداف المكتب السياسي لـ «حزب الله» الذي بقي الشغل الشاغل لنعيم عباس، ولكن هذه المرّة، أتته الأوامر من «جبهة النصرة» بدلاً من «داعش»، بعد أن طلب منه «أبو فاروق» التوجّه إلى سوريا.
وقبل ثلاثة أيّام من التفجير الثاني في حارة حريك، كان «أبو اسماعيل» يستعد مع «أبو فاروق» وعمر الأطرش للانتقال من البقاع إلى يبرود، حيث التقى أمير «النصرة» أبو مالك التلي الذي طلب منه التواصل مع «أبو خالد السوري» لاستلام السيارة المفخّخة.
وبالفعل، تسلّم «أبو فاروق» السيارة في منطقة خلدة، ثم سلّمها إلى عباس الذي ركنها أيضا في موقف صبرا بانتظار وصول الانتحاري السوري الملقّب «أبو حسن» الى جامع «الخاشقجي»، حيث عرفه من علامة حمله لقلمين بيده، الأوّل أحمر والثاني أزرق.
وبالطريقة نفسها التي استخدمها عباس مع الانتحاري الأوّل، أرشد «أبو حسن» أكثر من مرة الى الهدف المطلوب: المكتب السياسي.
وفي اليوم المحدّد، قاد الانتحاري السيارة تتقدمه سيارة عباس من نوع «بيجو»، قبل أن يفترقا عند جسر المطار حيث توجه عباس الى عين الحلوة والانتحاري الى حارة حريك، حيث وقع الانفجار على مسافة قريبة من الأول.
وبعد أن فقد نعيم عباس الأمل باستهداف المكتب السياسي اثر عمليتين فاشلتين، قرر تصويب أنظاره على مبنى «قناة المنار» في بئر حسن (نزلة الغولف)، فاتفق مع «أبو خالد» على إرسال انتحاري بحزام ناسف من دون الحاجة إلى سيارة مفخّخة.
وفي يوم الجمعة المحدّد، وصل الانتحاري «أبو سيف» إلى جامع «الخاشقجي»، حيث استطاع عباس إخراجه برغم التدابير الأمنية المشددة، وتوجّها إلى الطريق المؤدي إلى قناة «المنار» ثم إلى أحد المستودعات الخاصة بعباس وتحتوي على مواد متفجرة وصواريخ 107 ملم. وهناك، جهّز «أبو اسماعيل» كلّ ما يلزم للانتحاري: حزام ناسف وكلاشنكوف وهويّة مزوّرة، ودربّه على السيناريو الواجب اعتماده. إذ كان من المفترض أن يترجّل «أبو سيف» من سيّارة الأجرة عند سيّار الدرك في الأوزاعي وهو يحمل كيساً يحتوي على خردة وبداخله «كلاشينكوف» يقوم بإخراجه بعد وقوفه خلف شاحنات تركن في المحلة ويطلق النار على عناصر الامن، ثم يدخل إلى القناة ليفجّر نفسه بالحزام بعد الضغط على جهاز التفجير الذي يحمله بيده.
وفي يوم التنفيذ، أقلّ نعيم عباس الانتحاري إلى جسر خلدة طالباً منه أن يستقلّ سيارة غير نظيفة بسبب كيس الخردة الذي يحمله. ولكن الحصاد لم يطابق حساب «أبو اسماعيل»، إذ أنّ سائق الأجرة، شكّ بالكيس الذي يحمله أبو سيف، وما أن وضعه في صندوق السيارة حتى صرخ السائق «انتحاري انتحاري»، ليهرب «أبو سيف» باتجاه الشويفات، حيث فجّر نفسه داخل «فان» للركاب هناك.
وعلى مقربة من جسر خلدة، كان نعيم عباس يراقب هروب الانتحاري ليعود أدراجه إلى منزله متصلاً بـ «أبو خالد» لإبلاغه عن فشل العمليّة، إلا أن الأخير كان حاضراً للعملية الثانية وأبلغه عن وجود سيارة سوداء طراز «RAV 4» معدّة لاستهداف «المنار» أيضاً على أن يقودها انتحاري سوري يدعى «سامي». ولكن هذه المرة لم تفشل العمليّة، بل تمّ إلقاء القبض على «الرأس المدبّر» الذي سرعان ما أبلغ مخابرات الجيش عن مكانها ليتمّ ضبطها لاحقاً في كورنيش المزرعة.
وكما لم ترَ عملية «المنار» الثانية النور، كذلك لم يفلح «أبو اسماعيل» في تنفيذ رغبته بتفجير سيارة في منطقة الشياح يليها قيامه بإطلاق صواريخ. فالقبض عليه أحبط محاولته هذه بالرغم من أن التحضيرات كانت جارية لاستلام سيارة «كيا ريو» مفخّخة لون فضي آتية من يبرود، وتمّ الاتفاق مع إمرأة من عرسال لتقودها حتى عاليه، على أن يستلمها أحد الأشخاص في الروشة فيسلّمها لاحقاً إلى نعيم عباس!