قراءة في اطلالة ليلة العاشر

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الرابع والستين بعد المئة على التوالي…
فجأة عادت الحياة الى هبة الثلاثة مليارات دولار المقدَّمة من السعودية الى الجيش اللبناني عبر فرنسا، ومن المقرر أن تشهد الرياض، اليوم، مراسم توقيع الجانبين السعودي والفرنسي على اتفاق الهبة، في احتفالية يشارك فيها قائد الجيش العماد جان قهوجي على رأس وفد عسكري لبناني.
ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن الهبة كانت مهددة فعليا منذ لحظة انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان «ويسجل للايرانيين أنهم أعادوا الاعتبار اليها من خلال الهبة التسلحية المجانية التي عرضوها على الجيش اللبناني ورفضتها الحكومة، فكان لا بد من بديل سريع لها».
وتبقى العبرة في وضع هذه الهبة موضع التنفيذ، وفي بدء تسلّم الجيش اللبناني دفعات السلاح الفرنسي الموعود، منذ الاعلان عن «المكرمة السعودية» في 29 كانون الاول الماضي.
ومع إبعاد قضية العسكريين المخطوفين عن الاضواء، شكّلت اطلالة الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الشخصية من على منبر إحياء ليلة العاشر من محرّم في «مجمع سيد الشهداء» في الضاحية الجنوبية رسالة تكررت للسنة الثانية على التوالي، ربطاً بالتحديات الأمنية الاستثنائية التي يواجهها جمهور المقاومة منذ سنتين تقريبا.
رسالة الإطلالة، بمضمونها المعبّر عن الاستعداد للتضحية، وفق المتابعين، يفترض أن تتوج اليوم بإحياء مراسم العاشر من محرّم في شوارع الضاحية الجنوبية وساحاتها، في ظل اجراءات وتدابير امنية استثنائية لا مثيل لها منذ نشأة المقاومة في العام 1982، ومن المتوقع أن يلقي السيد نصرالله خطابا في نقطة تجمع المشاركين الأخيرة في «ملعب الراية» في محلة الصفير، من دون أن يعرف ما اذا كان احتفال العاشر سيشهد مفاجأة جديدة أم لا؟

أما في مضمون اطلالة الأمس، فقد أطلق السيد نصرالله خطابا سياسيا قارب فيه مجموعة من العناوين السياسية الاقليمية واللبنانية، مؤكدا ان ما يجري في المنطقة ليس صراعا سنيا شيعيا بل هو صراع سياسي بامتياز، وتوجه إلى الشيعة مؤكدا ان «معركتنا هي مع التكفيريين الذين يريدون سحق الجميع، ومع الهيمنة الاميركية واسرائيل وليس مع الطائفة السنية»، داعيا «السنة الى الحذر والوعي في ما يحصل في المنطقة فبعض الدول لا تريد ان تحقق الا اهدافها، والمرحلة بحاجة الى الوعي ومستوى عال من المسؤولية»، لافتا الانتباه الى ان «عداء التكفيريين ليس فقط للشيعة وانما لكل ما عداهم ومن عاداهم، فالكل في دائرة الاستهداف وعلى الكل ان يتحمل مسؤولية».
واذ قارب نصرالله باستغراب كيفية التعاطي الرسمي اللبناني مع موضوع الهبة الايرانية لتسليح الجيش برغم انها «تشكل بوابة لهبات اخرى، وليس فيها لا بيع ولا شراء ولا سماسرة»، توقف عند الانجاز الذي حققه الجيش في طرابلس والشمال، وأعطى المؤسسة العسكرية قيادة وضباطا وجنودا ما يتجاوز دورها العسكري والأمني، معتبرا أن مؤسسة الجيش «تشكل الضمانة الحقيقية للبنان، لبقاء لبنان، لتماسك لبنان، للسلم الأهلي في لبنان، لبقاء الدولة مهما كان وضع هذه الدولة في لبنان وأن لا بديل عن الجيش اللبناني في هذه المسألة، في حفظ الأمن والاستقرار والتماسك الوطني والدفاع عن الدولة».
ونوّه السيد نصرالله بالموقف الوطني الشريف الواضح والحاسم لأهل طرابلس والشمال و«للمرجعيات الدينية والسياسية والقيادات والقوى السياسية والعلماء والشخصيات في الطائفة الاسلامية السنيّة، والا لكانت أخذت الأمور في الشمال وفي طرابلس منحى مختلفاً تماماً»، وخص بالذكر رئيس الحكومة ومفتي الجمهورية مسجلا «أن الدور الأبرز كان لتيار المستقبل ولقيادة تيار المستقبل».
هذا الموقف لم يصل الى حد المبادرة بكل معنى الكلمة، لكن «السيد» أعطى اشارة الى فتح الأبواب على مصراعيها للأخذ والرد، كاشفا عما سمّاها «جهات حليفة وصديقة (النائب وليد جنبلاط) تحدثوا معنا على قاعدة انه اما آن الاوان لكي يكون حوار ( مع تيار المستقبل)، ونحن من جهتنا نقول نحن جاهزون لكل شيء يمكن ان يحصّن البلد».
وفي موضوع التمديد للمجلس النيابي، أعطى «السيد» كل الأسباب الموجبة لخيار الضرورة ـ التمديد تفاديا للفراغ القاتل، محمّلا الجميع مسؤولية الالتفاف حول الرئيس نبيه بري لاخراج البلد من هذا المأزق، وهو موقف يضع رئيس «تكتل الاصلاح» النائب ميشال عون امام مسؤولية استثنائية في الاستجابة للجهد الذي يقوم به الحزب لتأمين حضوره جلسة التمديد ولو قرر التصويت ضد التمديد.
وكان لافتا للانتباه أن يبادر السيد نصرالله وللمرّة الاولى الى تسمية النائب ميشال عون كمرشح لـ«حزب الله» وحلفائه، والقى الكرة في ملعب «فريق 14 اذار» بقوله «نحن ندعم مرشحا اول حرف من اسمه النائب ميشال عون يتمتع بافضل تمثيل مسيحي ووطني، واذا كنتم تنتظرون متغيرات دولية او اقليمية ستنتظرون طويلا، المطلوب الحوار الاساسي مع المرشح الطبيعي»(الخطاب ص3).
هذا الخطاب عكس ارتياحا عاما، وبرز موقف رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الذي قال لـ«السفير» إن البلد بحاجة الى خطاب ايجابي اكثر من اي يوم مضى، ولقد قاربت ما قاله السيد نصرالله بايجابية، و«قد توقفت بالايجابية الاكبر عند التحية التي وجهها الى تيار المستقبل والى المشايخ السنة والى التيار الاعتدالي في لبنان وفي طرابلس والشمال، فتلك اشارة مهمة جدا، واتمنى ان تؤدي الى حوار بنّاء لحماية لبنان».
وفيما فضّل رئيس «كتلة المستقبل» النائب فؤاد السنيورة ان يتريث الى حين «يسمع الخطاب او يقرأه لاحقا بتمعن»، لاحظ مصدر قريب من رئيس حزب «القوات اللبنانية» ان مضمون خطاب السيد نصرالله «كان توافقيا وليس عدائيا» وقال لـ«السفير» إن السيد نصرالله «قد تجاوب مع الدكتور سمير جعجع وفتح باب الحوار على رئاسة الجمهورية واعلن باسم 8 اذار أن مرشحها هو ميشال عون وبالتالي مد يده للفريق الآخر للحوار حول مرشح توافقي. ثم اذا كان نصرالله مصرّاً على دعم ترشيح عون فليوقف المقاطعة والتعطيل لجلسة المجلس النيابي، ولينزل الى الجلسة وينتخب عون».
يذكر أن مساعي «حزب الله» مع عون استمرت حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، ومن المنتظر أن تستكمل اليوم، حيث يسعى المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» الحاج حسين خليل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق الحاج وفيق صفا من خلال التواصل مع وزير الخارجية جبران باسيل الى التوصل الى تسوية تمنع انفجار الموقف في جلسة الأربعاء، اذا قرر ميشال عون مقاطعتها خلافا لتعهداته السابقة لرئيس المجلس .

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …