في شرق ديربورن الحياة الليلية تتحول إلى كابوس

أوقفت عناصر الشرطة فـي مدينة ديربورن، راكب دراجة نارية على شارع فورد، وهو يقود مجموعة من زملائه السائقين الذين كانوا يجنّحون يمنة ويسرة بين ممرات السير ويقطعون طريق السيارات وحركة المرور، متجاهلين كل القواعد وخارقين جملة من قوانين القيادة فـي ولاية ميشيغن.
الدراجات النارية المتمردة هذه، يبدو أنها آخر حلقة فـي سلسلة من قضايا الإزعاج العام المتكررة والتي تثير غضب وسخط الكثيرين فـي شرق ديربورن، خصوصاً خلال الساعات المتأخرة من الليالي الصيفـية.

هذه المشكلة، تترافق جنباً إلى جنب مع مشاكل القيادة المتهورة وتسابق السيارات فـي الشوارع وضجيج الموسيقى الصاخبة وترك الأطفال على الطرقات حتى ساعات الليل المتأخرة رغم حظر التجول المفروض على القاصرين بعد العاشرة مساء.. أصبحت مصادر ازعاج وقلق لسكان المدينة.
«اسألني ما الذي لا يحدث فـي شارعي؟»، تقول هلا ضيقة، التي تسكن على شارع كالهون بالقرب من تقاطع ميشيغن آفنيو فـي شرق ديربورن، وتسرد الفتاة الشابة المشاكل التي تواجهها فـي الشارع الذي يضم سكانها، «الجيران لا ينامون، الأطفال فـي الشارع، بعض السائقين يقودون سياراتهم بسرعة تتراوح من ٤٠ الى ٥٠ ميلا فـي الساعة.. لا يوجد أي مكان بتاتاً لوقوف السيارات. الحي مزدحم جداً وتملؤه النفايات الجيران كأنهم يتبادلون الورديات فـي تناوبهم من شروق الشمس حتى غروبها، ولا أحد يكتفـي بالاهتمام بأموره الخاصة».
ضيقة التي أمضت ١٥ عاماً فـي المنطقة قضت معظمها فـي ديربورن، تقول انها تريد الانتقال منها إلى الأبد. وتتشارك نفس مشاعر الضيق لدى العديد من سكان الجوار، وتقول «سأترك المنطقة لانه لا يمكنني النوم عندما يكون هناك أطفال يركضون ويصرخون طوال الليل»، وأردفت «الناس يركنون سياراتهم أمام بيتي، وأحياناً كثيرة يسدون جزءاً من الدرايفواي (ممر السيارة) الخاص بمنزلي. ليس فقط منزلي، بل كل البيوت، لا احترام لأماكن وقوف السيَّارات. هذا كثير جداً الوضع فظيع على شارعي».

مراسيم من يطبقها؟
فـي السنوات الأخيرة، حاول مسؤولو البلدية تمرير موجة من المراسيم لوضع حد لحالة الفلتان والفوضى فـي العديد من الأحياء، التي وصلت الى درجة أن يصفها البعض بأنها بمثابة «سيرك يومي» يجري فـي ديربورن.
أقر مرسوم الكاراجات ومرسوم حظر النشاطات الرياضية خارة المنزل بعد الساعة العاشرة، ومرسوم الألعاب النارية والضوضاء ولكن كما يبدو فإن المراسيم وحدها غير كافـية لمنع الأطفال مثلاً من التمتع بدراجاتهم الهوائية حتى ما بعد منتصف الليل طالما أن لا أحد يأخذ بتطبيقها على محمل الجد.
وفـي حين تم استقبال هذه المراسيم من قبل السكان بمزيج من المشاعر المختلطة، يشعر البعض الآخر انه لم يتم تطبيق أي منها أصلاً.
إذا أخذنا مرسوم الألعاب النارية على سبيل المثال، فإن قانون البلدية يسمح باطلاق المفرقعات النارية فـي يوم العيد الوطني واليوم الذي يسبقه واليوم الذي يليه، لكن بالرغم من ذلك فإن المفرقعات أطلقت على مدى أكثر من أسبوع ومن داخل الأحياء خلال عطلة عيد الإستقلال الماضي فـي الرابع من تموز (يوليو).
ووفقاً لدائرة الشرطة فـي ديربورن، صدرت فقط حوالي ٣٠ مخالفة خلال موسم الصيف فـي ما يخص استخدام الألعاب النارية. وهذا العدد يبدو منخفضاً جداً مقارنة بدوي وأصوات الألعاب النارية التي أرّقت سكان المدينة لأيام طويلة.

الشكاوى لا تصل الى مسامع الشرطة
عضو مجلس البلدية مايك سرعيني قال لـ«صدى الوطن» إن دائرة الشرطة لكي تقوم بواجبها بتنفيذ هذه القوانين الوضعية، بحاجة الى تلقي شكاوى ومكالمات هاتفـية من المقيمين. وتابع «ان المشكلة الكبيرة فـي الجالية أن السكان لا يقوموا باستدعاء الشرطة بالدرجة المطلوبة».
واستطرد «واحدة من المعضلات التي نراها فـي جاليتنا بشكل رئيسي، هي أنهم ثقافـياً، لا يتصلون ولا يتقدموا بشكاوى رغم انزعاجهم الشديد». وأضاف سرعيني «مثلاً قد يقول أحدهم للآخر: «يا صاح هل يمكنك إطفاء الجهاز»، ومعظم الناس يمتثلون لذلك» مشيراً الى أن هذا السلوك يتسبب فـي ضياع المعلومات وقد تقع العديد من الحوادث التي لا يعرف عنها شيء.

الفوضى على وورن
وفـي سياق آخر، أشار سرعيني إلى أن البيانات الأخيرة أظهرت زيادة طفـيفة فـي حوادث السيارات المتعلقة بالمارة، وذلك بسبب القيادة غير المسؤولة للسيارات فـي الأحياء وبمحيط المدارس. إحدى سكان شارع أوكمان بوليفارد، قالت لـ«صدى الوطن» إن سائقي الدراجات النارية أصبحوا عبئاً إضافـياً فـي الحي المعروف بهدوئه ورحابته نسبياً.
وبالفعل يبدو أنَّ الدراجات النارية أضحت آخر موضة رائجة فـي جميعغ أحياء شرق ديربورن، وهذا يبرز جلياً إذا أمضى الشخص بضع ساعات فـي أحد مقاهي الأراكيل المطلة على شوارع المدينة. فسائقو الدراجات أصبحوا راسخين هنا ولهم موطيء قدم وهم لا يخفون وجودهم بل يعلنونه من خلال التباهي بصوت محركات دراجاتهم وزعيقها العالي الذي يكاد يصم الآذان.
أضافت المقيمة على شارع أوكمان أنَّ «سائقي الدراجات دائماً يريدون السباق، خصوصاً على شارع فورد وهم يطلقون العنان لهدير محركاتهم وأصوات العوادم، منطلقين بسرعة قياسية» تفوق بأضعاف حدود السرعة المسموح بها فـي الشوارع السكنية حيث يجب ألا تتخطى السرعة ٢٥ ميلاً بالساعة.
وتقول السيدة «هؤلاء لا يهتمون بأذى السرعة لا يهمهم ما إذا كانت الساعة تشير الى الثالثة أو الرابعة صباحاً، لكن الأكيد ان الضوضاء ستتكفل بإيقاظك».
وأشارت إلى أن وقاحة السائقين وتحديداً الدراجات النارية وسباقات الشوارع، والأطفال على دراجاتهم الهوائية الذين يجوبون الشوارع والأزقة هي قواسم مشتركة فـي معظم الأحياء الشرقية من مدينة ديربورن وسط شبه غياب تام للشرطة.
وأضافت «لا أعتقد أنني قد رأيت رجال الشرطة وهم يقتصون للناس من فعل الضجيج».
وإذا كان الحال فـي الأحياء بهذا السوء فإن شارع وورن التجاري الذي يمتد على طول ميلين فـي ديربورن (من غرينفـيلد الى وايومينغ) يعاني من آفات أكبر وأكثر تنوعاً.. أبرزها القيادة المتهورة على الطريقة العربية بحسب الكثير من السكان الساخطين. لكن الأمر لا يتوقف على هذا، حيث تعم مظاهر الفوضى فـي أكثر من اتجاه لتصل الى تهديد السلامة العامة.

الأركيلة تحتل الرصيف
مقهى «سكاي لاونج» الشهير على شارع وورن، والذي افتتح قبل عدة سنوات كصالة داخلية للأراكيل، أخذ فـي التمدد والتوسع حتى التهم جزءاً كبيراً من الرصيف العام وأصبح رواده يجلسون على بعد إنشات قليلة من الشارع المزدحم.
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل قامت إدارة المقهى بتثبيت حواجز للفصل بين الزبائن وحركة المرور، بالرغم من أن ذلك يشكل انتهاكاً للوائح البلدية التي تراعي حقوق المعوقين، بحسب مصدر بلدي.
ونتيجة جلوس زبائن المقهى فـي البهو الخارجي لم يعد المشاة قادرين على استخدام الرصيف المحاذي لشارع وورن قرب تقاطع جوناثان، غير أنه ليس بمقدور بلدية ديربورن فعل شيء بهذا الخصوص، حسب المصدر نفسه، بحجة أن المقهى حاصل على ترخيص من مقاطعة وين يسمح له بتوسيع عملياته فـي الخارج (آوتدور).
الأمر لا يتوقف على مقهى سكاي، فغلق منافذ الأزقة ووضع الحواجز بشكل اعتباطي ورمي النفايات بدون اكتراث، كلها ممارسات تجعل من السكن فـي محيط شارع وورن مشقة حقيقية.
يقول مايكل حبحاب، الذي يقيم على شارع جوناثان لـ«صدى الوطن» إن مطعم «سكاي لاونج» كان واحداً من الأسباب الرئيسية الذي دفعته للانتقال من المدينة حيث يحزم أمتعته الآن للتحول الى ديربورن هايتس فـي الأسابيع القليلة القادمة.
«أسمع الموسيقى طوال الليل، حيث تستمر حتى الخامسة صباحاً» أكد حبحاب، وأردف «أصبح ذلك شائعاً ويفوق الحد المقبول. دائماً تجد متسكعين أمام «سكاي» وهم يتسابقون ويقودون عرباتهم ويطلقون أصوات محركاتهم العالية، ثم ترى الاطفال يتجولون فـي الأحياء حتى الثانية أو الثالثة صباحاً وهم فعلاً أطفال صغار. أنهم يوغلون فـي سرعتهم وأنا دائماً خائف من ان يصدموا شخصاً ما فـي أي وقت».
بالإضافة إلى ذلك، تابع حبحاب انه ضاق ذرعاً بإهمال جيرانه، وقال «إن المركبات التي تسد درايفواي منزله هي ظاهرة متكررة، وأحياناً أتأخر فـي الوصول إلى عملي بسبب الازدحام. جيراني يرغبون فـي ركن سياراتهم فـي الدرايفواي عندي، المداخل ضيقة جداً، ودائماً تعترضني مشاكل كل صباح، لأن عليَّ معرفة أصحاب السيارات فـي كل مرة. هناك بيوت عديدة وهذا يدعو للاحباط حقاً. لا استطيع ان أعبر لكم كم أنا متشوق للانتقال من هنا» لكن المرء قد لا يحتاج حتى إلى الخروج من المدينة للنأي بنفسه عن هذا الجنون. فالسكان الذين انتقلوا من شرق ديربورن إلى الجانب الغربي من المدينة لاحظوا الفارق الجذري فـي نوعية الحياة بين جانبي المدينة.
وقال نمر جعفر، الذي يقيم على شارع مونرو فـي غرب ديربورن، إن الفرحة لا تسعه من الهدوء الطاغي فـي الحي الذي يقيم فـيه بعد انتقاله من منزل كان يملكه فـي شرق المدينة.
«إنه عالم مختلف تماماً عندما تنتقل للعيش فـي غرب ديربورن»، أفاد جعفر، وأسهب «يبدو أن كل شيء من الحدائق، إلى المتاجر، حتى الشوارع كلها أنظف وأكثر تنظيماً، الفوضى أقل بكثير ولا يوجد هنا أطفال يركضون من دون رقيب او حسيب بينما فـي شرق المدينة ترى الاطفال فـي كل وقتٍ من الأوقات، فـي الشوارع لوحدهم حتى ساعة متأخرة من الليل. اما فـي غرب ديربورن، فبمجرد حلول الظلام تصبح الأحياء هادئة تماماً».
وأشار جعفر الى انه لم يرَ سائقاً يقود سيارته بسرعة جنونية فـي شارعه الجديد، وأنه وبالكاد يسمع زعيق المحركات هناك، رغم انه يقع قرب المنطقة التجارية التي يرتادها الزوار بكثرة خلال النهار.
«قد تسمع صوت دراجة واحدة أو اثنتين طوال الليل كله»، أنهى جعفر كلامه بالقول «مع انَّي أسكن على شارع رئيسي مثل مونرو، فإني أترك نوافذ منزلي مفتوحة حتى الصباح لأن المكان هادئ للغاية ولا تسمع فـي جوانبها إلا أصوات صراصير الليل».

سامر‭ ‬حجازي‭ – ‬‮«‬صدى‭ ‬الوطن‮»‬

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …