فيلم محمد(ص) والإبداع الإيراني

مختار حداد
ثمانية أعوام قضت، إلى أن اختُتمت مراحل إعداد وإنتاج فيلم “محمد رسول الله (ص)” للمخرج مجيد مجيدي، وهو فيلم ضخم المستوى يتحدث عن حياة الرسول الاعظم(ص) في مرحلة الطفولة الشريفة، من الولادة حتى الـثالثة عشرة من عمره، فضلا عن مقتطفات من الفترة التي سبقت ولادته الميمونة خلال الحصار في زمن أبي طالب وهجوم أبرهة الحبشي على مكة.

الفيلم الذي عرض لأول مرة في دور السينما في طهران بالتزامن مع ذكرى انتصار الثورة الاسلامية في شهر شباط/فبراير الماضي، يمكن أن يُتبع بجزأين ثان وثالث خلال قادم الأيام، لتستتبع سيرة الرسول الاعظم أيام شبابه، إلى استشهاده. وهو يعتبر من أفضل وأضخم الاعمال السينمائية في تاريخ ايران من ناحية الانتاج والمؤثرات الصوتية والصورية والسيناريو وكذلك الميزانية، كما يعتبر من أفضل الافلام العالمية التي تحدثت عن حياة الرسول الاعظم(ص).

وقد شارك الى جانب فريق العمل الإيراني كبار العاملين في صناعة السينما العالمية، من بينهم: المصور السينمائي الايطالي العالمي (الحائز على ثلاثة جوائز اوسكار) “ویتوریو استورارو”، وفي اعداد المؤثرات الخاصة عمل السينمائي الامريكي (الحائز على جائرة اوسكار) “اسكات سي. اندرسون”، كما أعدَّ الموسيقى الموسيقار الهندي (الحائز على جائرة الاوسكار) “اِی.آر. رحمان”، بمساعدة مهندس الديكور العالمي (الحائز على جائزتي ايمي و سيزار) “میلجن کرکا کلجاکویج”.

فيلم محمد رسول الله

وفي ظل الهجمة الغربية-الصهيونية الشرسة التي يواجهها الدين الإسلامي الحنيف، والتي تسعى لنشر الخوف من الإسلام وتشويه صورته والاساءة إلى رسول الرحمة(ص)، استطاع الفيلم التعريف بحقيقة الإسلام المحمدي الاصيل وشخصية الرسول محمد(ص) بأفضل ما يمكن وعرض الاسلام الرحماني و الشخصية الرؤوفة للنبي محمد(ص).

وعلى الرغم من بعض التصريحات في العالمين العربي والاسلامي والتي تقف وراءها الأيادي نفسها، التي تسعى لخلق الفتن المذهبية، فان الفيلم لم يعرض بتاتاً وجه الرسول محمد (ص) وتم مراعاة جميع الفتاوى الشرعية في هذا المجال.

و في تصريح سابق لموقع “العهد الاخباري” قال المخرج مجيد مجيدي أنه قام بتصوير مرحلة من حياة الرسول الاعظم (ص) لا خلاف عليها من قبل المذاهب الاسلامية كافة، معتبراً أن الفيلم سيشكل عنوانًا لوحدة الامة الاسلامية.

وفي أول إحصائية لعائدات الفيلم خلال الأسبوع الأول من عرضه، وصلت الحصيلة إلى مبلغ يقارب المليون دولار أمريكي، وقد واجه الفيلم اقبالاً هائلاً للجمهور الايراني، وأن جميع دور العرض تمتلئ في الأوقات المخصصة لعرضه، كما أن مجموعة التذاكر التي تم عرضها على الانترنت حجزت من قبل الجمهور من الساعات الأولى.

وللمرة الاولى، تم عرض الفيلم في حفل افتتاح مهرجان مونترال السينمائي العالمي في كندا. وقد لاقى ترحيباً كبيراً من الجمهور وكبار السينمائيين العالميين الذين أشادوا بمستوى سيناريو الفيلم. ونظراً للرواج الكبير عرض الفيلم ثلاث مرات إضافية. والجدير ذكره أن فيلم محمد رسول الله(ص)سيشهد عرضاً عالمياً في العالم الاسلامي واوروبا وأمريكا.

فيلم محمد رسول الله

وفي عرض خاص للفيلم في مؤسسة السينما الأمريكية في هوليود بمدينة لوس آنجلس حضر العرض 125 شخصاً من كبار العاملين في السينما الامريكية، في هذا الاطار وبعد عرض الفيلم أشاد المخرج العالمي فرانسيس فورد كابولا(وهو مخرج مجموعة أفلام العراب) به واصفا اياه بالعالمي، وأشاد عدد آخر من كبار السينمائيين العالميين بالفيلم.

بدوره، قال المصور الايطالي العالمي (الحائز على ثلاث جوائز اوسكار) ویتوریو استورارو الذي قام بتصوير فيلم محمد(ص) بأنه سيتم مجدداً عرض الفيلم بسبب طلب عدد كبير من السينمائيين بمشاهدته.

من ناحيته، قال الموسيقار العالمي (الحائز على جائزة الاوسكار) اِی.آر. رحمان الذي قام بإعداد موسيقى الفيلم إن “هذا الفيلم تم انتاجه من خلال الأخذ بعين الاعتبار الاسس الحقيقة للاسلام وهي المحبة والانسانية، وأثبت الفيلم أن التفرقة هي من عمل الشيطان وأن الاسلام مبني على الوحدة”. أما الموسيقار الهندي فقد رأى أن “هذا الفيلم هو رمز للوحدة بين المسلمين ولا يمثل طائفة واحدة”.

وفي ظل الاجواء العالمية المرحبة به، يتعرض الفيلم لهجمة شرسة في بعض المتطرفين في مصر والسعودية، حيث أدّت حملة المجموعات السلفية والوهابية ضدَّه الى تحريمه من جانب الازهر الشريف ومفتي السعودية. التحريم جاء بسبب ادعاءات كاذبة، بعرض وجه الرسول (ص) خلال الفيلم، الامر الذي رفضه مراراً المخرج مجيدي مؤكداً أن الفيلم لم يعرض بتاتاً وجه الرسول(ص) وأنه راعى الملاحظات الشرعية الاسلامية جميعها.
ويستغرب الخبراء في مجال السينما الدينية مثل هذه التصريحات، فكيف يمكن للازهر أو لمفتي السعودية الحكم على الفيلم قبل مشاهدته، والاستناد فقط الى ما تم ترويجه من أكاذيب على شبكات التواصل الاجتماعي، من قبل أولئك الذين يقفون اليوم وراء إراقة دماء المسلمين.

ويقول الخبير في مجال السينما الدينية علي تبريزي في تصريح لموقع “العهد الاخباري” أن “العالم الاسلامي يواجه اليوم حرباً ثقافية شرسة وأن هذا الفيلم جاء في ظل هذه الأجواء لينشر صورة الاسلام الرحمانية للجميع في مواجهة موجة الإسلامو-فوبيا، وأن مثل هذه التصريحات التي تخرج أحياناً من بعض الجهات في العالم الاسلامي (والتي تعرضت مؤخراً للفيلم) تصب في صالح هذه الهجمة ضد الاسلام.

ويشير تبريزي الى ما قاله سماحة الامام السيد علي الخامنئي في كلمة له العام الماضي أن “هذا التهديد سيتحول إلى فرصة للعالم الاسلامي، وفي النهاية سينال هؤلاء الفشل في هذه الهجمة ضد الاسلام”، مضيفاً إن “المحور الثقافي له الدور الرئيس في هذا المجال، وأن عملاً سينمائياً ضخماً على مستوى فيلم محمد رسول الله(ص) الذي واجه ترحيباً كبيراً من غير المسلمين خلال الايام الاخيرة في اوروبا وكندا وأمريكا، هو إحدى هذه الفرص للتعريف بالاسلام المحمدي الاصيل”.

ويلفت الى أن “الجمهورية الاسلامية الايرانية اليوم قدمت فيلماً عالمياً حول حياة الرسول محمد (ص) وهذا الفيلم سيدخل قلوب الشعوب في العالم وسيغير الرؤى والافكار الخاطئة لدى الجمهور”.

ويختم تبريزي بالقول إن “هذا الفيلم عرض صورة الاسلام الصحيحة التي شوهتها الوهابية والتطرف”.

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …