إسرائيل تختبر والمقاومة قبلت الرهان
ابراهيم الأمين
نحو يوم عمل، استغرقه حزب الله لإصدار موقفه من العدوان الإسرائيلي الأخير. قال بيانه المقتضب إن العدو أغار على موقع للحزب داخل الأراضي اللبنانية، حاسماً الجدل حول موقع الغارة، ومؤكداً أنه سيردّ. خطأ البيان تمثّل في العبارة التي تتعلق بالرد في المكان والزمان والأسلوب المناسب. لا يحتاج حزب الله إلى هذه العبارات التي يترجمها المواطن العربي بأنها تبرير لعدم الرد. والحزب، هنا، ليس نظاماً عربياً، ولا جهة تعوّدت أن تقول ما لا تقدر على فعله.
يوم العمل عند العدو صار 36 ساعة، انتظرها السياسيون والعسكريون والأمنيون. بينهم فريق كبير لم يتوقّع البيان. الآخرون تركوا لأنفسهم الهامش، حتى لا يتكرر الخطأ في الحسابات. لكن النتيجة، أن العبارات المقتضبة قلبت المشهد، ودفعت العدو إلى النظر صوب الجبهة الشمالية بعين أخرى.
ميدانياً، طائرات العدو قصفت هدفاً ثابتاً للمقاومة يقع، تماماً، عند نقطة الحدود على الساتر الترابي الذي يفصل بين سوريا ولبنان. وبما أنه لا يوجد ترسيم للحدود، فإن موقع الغارة يتيح القول إنه «لا في سوريا ولا في لبنان»، كما يتيح القول إنه «في سوريا وفي لبنان». إسرائيل تعمّدت، في اختيار مكان الهدف، فسح المجال أمام سوريا والمقاومة لاستخدام «مجال النفي»، وهو مبدأ تتبعه إسرائيل مع خصومها في الجبهة الشمالية لفسح المجال أمامهم لتلقي الضربة واستيعابها والصمت. ومن اتخذ القرار في تل أبيب، اعتبر أن هذه الضربة، وإن استهدفت موقعاً يخص حزب الله، إلا أن نقطة الموقع تتيح للحزب أن يقلّد سلوك دمشق، فلا يشير إلى الحادث من أصله. وبالتالي، راهن العدو على صمت حزب الله. ورهانه هذا، مرده تقدير العدو أن حزب الله منشغل الآن ومستنزف في معركة عسكرية مفتوحة في سوريا، وفي معركة أمنية وسياسية مفتوحة في لبنان. وبالتالي، فإنه ليس في وضع يسمح له بفتح جبهة جديدة عليه.
لكن العدو علّمنا أن نقرأ فرضيات أخرى. بمعنى، أن يكون قد قام بفعلته هذه لاختبار الحزب ومعرفة كيفية تصرفه الأولي، من خلال عملية الاستطلاع بالنار التي حصلت على شكل غارة. أو لمعرفة كيفية تعامل الحزب مع الحدث. وبالتالي، فإن الاختبار حقق إحدى نتائجه بإعلان الحزب أمس، جهاراً نهاراً، أن غارة حصلت واستهدفت موقعاً له يقع داخل الأراضي اللبنانية.
لكن الفرضية الثانية لها تتمتها، وهي أن الاختبار لا يقف عند حدود الغارة، ولا عند حدود البيان. وبالتالي، يكون السؤال: هل تريد إسرائيل استدراج المقاومة إلى رد فعل لاختبار حجم تأثير مشاركة الحزب في القتال في سوريا، واستنفاره الأمني في لبنان، على جهوزيته وعلى استعداداته الخاصة بالجبهة مع إسرائيل؟
إذا كان الهدف كذلك، فهل تستعد إسرائيل لحفلة تراشق مع المقاومة، أم لصدام، أم لمواجهة تتدحرج صوب حرب شاملة؟ العدوان هذه المرة لم يكن عملية أمنية، على شكل اغتيال، بل كان عملية عسكرية واضحة. ما يوسع هامش الحزب وخياراته في الرد عسكرياً، أو حتى أمنياً، أو بطريقة لا تجعله مضطراً إلى الحديث عما فعله.
بالتالي، هل تبعث إسرائيل بإشارة تفيد باستعدادها لخوض معركة كبيرة اليوم؟ وهل يعتقد العدو أنه سيحقق ما عجز عن تحقيقه في العقد الأخير؟ وهل يريد دعم المجموعات المسلحة السورية التي صارت تتعاون معه، من خلال ضربات تسهل إسقاط النظام في سوريا؟
مشروعية الأسئلة مستمدة من العقلية الثأرية عند العدو تجاه المقاومة، ومستمدة أيضاً من حقيقة ثابتة جديدة تقول إن الجميع، في سوريا وفي دول الجوار والإقليم، وفي إسرائيل والولايات المتحدة والغرب، كل هؤلاء يعرفون أن أي محاولة لتعديل الوقائع في سوريا، ستمر إلزامياً من بوابة ضرب حزب الله. سواء في سوريا أو في لبنان.
أخيراً، تجمعت مؤشرات كثيرة على هذا التفكير الإسرائيلي، وهو ما دفع الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في خطابه الأخير إلى التحذير من أن جهوزية المقاومة ضد العدو لا علاقة لها بأية معارك أخرى. وما لم يقله نصر الله علناً، سبق أن قاله في لقاءات مكثفة وموسعة مع كوادر الحزب الأمنيين والعسكريين عندما دعاهم إلى العمل، على أساس أن المقاومة قد تكون مضطرة إلى خوض المعركة على ثلاث جبهات في الوقت نفسه: في سوريا وفي الداخل وفي مواجهة العدو!
الآن، يمكن القول، بسهولة فائقة، إن المقاومة في لبنان، ليست مثل أي جهة أخرى معادية لإسرائيل. وعندما قالت إنها سترد على العدوان، فهذا يعني أنها سترد. وببساطة، ستردّ بما يجعل العدو يفهم أن أي محاولة لتغيير قواعد اللعبة مرفوضة.
لكن هدفاً أولياً حققه البيان أمس، تمثّل في إحباط همروجة احتفالية كانت إسرائيل تستعد لها، سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، لو أن الحزب صمت عن العدوان. إسرائيل هكذا، دائماً مستعجلة. قادتها يطبقون المثل الإسرائيلي الشعبي الخاص بسلوك الرجال، الذي يقول: الرجل الإسرائيلي يوصل نفسه إلى النشوة الجنسية بسرعة، فقط ليسارع إلى إخبار رفاقه بأنه جامع إحداهن. (הישראלי גומר מהר בכדי לרוץ ולספר לחבר›ה)!
لكن، في بلادنا، صار لدينا قانون يقول: وإن عدتم عدنا… فانتظروا الرد!
المصدر: الأخبار