A+A-كان قدره هو نفسه. منذ نحو ثلاثة عقود، والرجل يواجه الحصار نفسه، والإقصاء نفسه، والقمع نفسه. لكنه لم يتعب ولم يستسلم. اليوم، نشاهد ميشال عون عارياً في وجه أعتى منظومة فساد وقهر تجتمع ضده في لبنان، وتدعمها قوى القهر في المنطقة والعالم. أجيال عون تستعد، مرة جديدة، للنزول الى الشارع، بحثاً عن حق مغتصب، وعن حلم مسروق. وإذا كان في لبنان من يريد إدارة الظهر، أو المشاركة في حرب الإلغاء هذه، فذلك لن يقود إلى خراب بيت وعمار بيت آخر، إنه الخراب الكبير، الذي لن يبقي في لبنان مكاناً آمناً لحياة حرة وإنسان كريم. بعد أخذ ورد طويلين، ومناورات كثيرة باسم المبادرات، وصلت الاتصالات بين العماد ميشال عون وبقية الطبقة السياسية إلى حائط مسدود، ولم يبق مع الجنرال إلا حليفه حزب الله، الذي أبلغه دعمه له في كل ما يقوم به.
اليوم، يبدأ التيار الوطني الحرّ ما تسميه مصادر قيادية بارزة فيه «المرحلة الأولى من الرّد على قرار التمديد غير الشرعي والاستهتار بحقوق المسيحيين»، بعد دعوة العماد ميشال عون، أمس، أنصار التيار واللبنانيين الى التظاهر اليوم. وحثّ عون، بعد اجتماع تكتل التغيير والاصلاح، العونيين واللبنانيين على النزول «إلى الشارع، فنحن نحلم بوطن فيه قانون، لا نفايات وسرقة وفساد».
وتأتي الدعوة مع إخفاق مبادرة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في الوصول إلى نتائجها المرجوّة، بحصول توافق على رفع سنّ التقاعد للضباط ثلاث سنوات عبر تعديل «قانون الدفاع الوطني» في مجلس النواب، وبعدما كان رئيس تكتل التغيير والاصلاح قد منح المبادرة مهلة للوصول إلى نتائج. ويتوافق أكثر من مصدر في قوى 8 و14 آذار على القول إن «المبادرة وصلت إلى طريق مسدود»، في ظلّ رفض تيار المستقبل القاطع لها، ووضع الرئيس نبيه بري شروطاً، كاعتراف عون بشرعية مجلس النواب قبل البحث فيها. وأشارت مصادر أخرى إلى أن «مطلب عون بتعيين أعضاء المجلس العسكري في مجلس الوزراء بات شبه مستحيل بعد خطوة التمديد، لأن من غير المنطقي تعيين ثلاثة أعضاء جدد في المجلس، فيما الأعضاء الثلاثة الآخرون مُدّد لهم، ما يشكّك في شرعية قيادة الجيش».
وبحسب المعلومات التي تمّ التداول بها مساءً، حدّد التيار الوطني الحر عدّة نقاط للتجمع لمناصريه في مناطق البترون وكسروان وجبيل وعاليه والمتن الشمالي، فضلاً عن مراكز تجمّع على ساحل المتن الجنوبي والأشرفية، التي من المرجّح أن تكون مراكز انطلاق لتحرك التيار الى وسط مدينة بيروت مع ساعات بعد الظهر والمساء على شكل مواكب سيّارة، على أن يقوم مناصرو التيار بقطع طرقات في محيط العاصمة بعد غدٍ الخميس. وقالت مصادر قيادية بارزة في التيار، في اتصال مع «الأخبار»، إن «كل شيء وارد، ولا سقف للتحرك الشعبي من قطع الطرقات إلى التظاهر والاعتصام بشكل مستمر في أماكن محدّدة من بيروت، والقرار رهن إشارة الرابية».
كل شيء وارد ولا
سقف للتحرك من قطع الطرقات إلى التظاهر والاعتصام
وفي وقت يؤكّد فيه أكثر من مصدر أن «أعداد المشاركين اليوم ستكون كبيرة»، تشير المصادر إلى أنه «لا قرار أبداً بالصدام مع الجيش أو القوى الأمنية» ، فيما تؤكّد مصادر في قوى 8 آذار أن «الجنرال عون يحرص على ألّا يتكرّر مشهد الصدامات التي وقعت المرة الماضية»، فيما قالت مصادر مطّلعة أخرى إن «الجيش بدوره اتخذ قراراً بعدم المواجهة مع المعتصمين وعدم إقامة أي إجراءات استثنائية كقطع الطرقات»، وإن «القوى الأمنية المختلفة ستتخذ إجراءات عادية لحماية المتظاهرين والمؤسسات العامة والخاصة».
وكان عون قال في كلامه بعد اجتماع التكتل: «إذا كانت فكرة وضع الجيش في وجهنا لا تزال واردة لديكم، فالتحذير ما زال سارياً، شبابنا تربّوا على المقاومة».
وفيما يغادر رئيس الحكومة تمام سلام لبنان اليوم متوجهاً إلى الأردن لتوقيع اتفاقات مشتركة بين البلدين، على أن يعود ليلاً قبل جلسة الحكومة الخميس، قالت مصادر وزارية مقرّبة من سلام إن «رئيس الحكومة لم يحدّد موقفاً من خطوة نزول عون إلى الشارع، ونحن نتمنى عدم اللجوء إلى الشارع. الا أننا مع حرية التعبير شرط عدم تعطيل حياة المواطنين والتعرض للممتلكات العامة والخاصة».
موقف سلام يعكس أجواء تيار المستقبل الذي يفضّل، بحسب مصادر مطّلعة، أن «ينتظر الأحداث ومدى توسّع خطوات عون»، بعد أن «أقدم المستقبل على خطوة عملية في محاولة كسر عون عبر التمديد». بدوره، يستمهل الرئيس بري اتخاذ موقف من خطوة عون، بعد الأجواء المشحونة التي طغت على علاقة الطرفين، علماً بأن مصادر بارزة في قوى 8 آذار تؤكّد أن عون الذي انزعج من تصريح بري الأخير لصحيفة الشروق المصرية، «لا يبحث عن أي صدام مع الرئيس بري، وهو قد حدّد تيار المستقبل هدفاً له، لأن الأخير يتباهى بوجود قرار إقليمي ودولي بكسر الجنرال».
وبدا لافتاً كلام عون أمس عن أن «خياراته انتصرت»، في إشارة إلى الحراك الدولي والإقليمي الجديد بعد الاتفاق النووي الإيراني وتطورات الأزمة السورية. وقالت مصادر بارزة في قوى 8 آذار لـ«الأخبار» إن «عون بدا حاسماً للمرة الأولى في عدم تعويله على العلاقة مع السعودية وفريقها الذي ينكث بوعوده»، مؤكدةً أن «الجنرال تحدّث أمس بلغة المنتصر وكجزء من المحور الذي يحارب الإرهاب في المنطقة منذ سنوات، والذي بدأ باستثمار تضحياته».
الأخبار