عودة سوق الخميس في بنت جبيل
داني الأمين
ينتظر أبناء بنت جبيل، اليوم، عودة سوقهم الشعبي الى سابق عهده. المدينة تنتظر هذه العودة لاستعادة بعض النشاط الذي خسرته بفعل الأوضاع السائدة، إذ يعاني تجارها من تراجع عدد الزبائن الى حده الأدنى. وكان الشلل قد أصاب سوق الخميس، وصولاً الى إقفاله، بسبب المخاوف من التفجيرات «الإرهابية»، على الرغم من الإجراءات الأمنية الاحترازية التي واكبتها البلدية والقوى الأمنية، ولا سيما بعد انفجاري الهرمل.
فقد تراجع عدد بسطات السوق، مع تراجع عدد المتسوقين الذين فضلوا عدم ارتياد الأسواق الشعبية، وخاصة أن شائعات عديدة انتشرت في السابق عن وجود سيارات مفخخة في المنطقة، إضافة الى لجوء مجهولين إلى سرقة 5 نمر سيارات من المنطقة، في أوقات متتالية، ما أثار المخاوف من إمكانية التحضير لعمل إرهابي. وما زاد الطين بلّة، إلقاء القبض، قبل أسبوعين، على أحد أبناء بلدة السلطانية، بعد شيوع خبر اعترافه بتجنيده لمصلحة جبهة النصرة، أثناء إقامته الطويلة في السعودية. وهو اعترف بأنه عاد الى لبنان بهدف التجسس على حزب الله وتزويد جبهة النصرة بمعلومات عن أوضاع المنطقة، إضافة الى أن شقيقه الذي كان قد لحقه الى لبنان يتردد الى سوريا للقتال الى جانب جبهة النصرة، مقابل أموال تدفع له.
يعتبر التاجر محمد شحادة أن «حسم المعركة في يبرود سيعيد المياه الى مجاريها في بنت جبيل، ليعود السوق مع زبائنه، لأن الأهالي تعودوا على شراء مؤونة الأسبوع من السوق، ولا يمكنهم التريث لأوقات طويلة».
في الأسابيع الفائتة، بدا سوق الخميس التاريخي شبه متوقف وفارغ من المتسوقين، وحتى من أصحاب البسطات التجارية، الذين امتنعوا على غير عادتهم، منذ عشرات السنين، عن عرض بضائعهم في السوق. كان ذلك غريباً جداً على أبناء بنت جبيل الذين لم يشهدوا إقفال السوق منذ نعومة أظفارهم، كما يقول حسين بزي، ابن الثامنة والخمسين من عمره، الذي أشار الى أن «سوق الخميس لم يتوقف في بنت جبيل إلا في حرب تموز، بعد تدمير بنت جبيل، ليعاد افتتاحه بعد الحرب قرب بركة البلدة، بعيداً عن الأحياء المدمّرة».
يذكر أن «سوق الخميس استمر طيلة فترة الاحتلال الإسرائيلي لبنت جبيل، وتوسع نطاقه بعد التحرير، لتعود الحياة من خلاله الى بنت جبيل، التي هجرها معظم أبنائها الى بلاد الله الواسعة». ولفت محمد بوصي الى «أن انعدام حركة التسوق يوم الخميس في بنت جبيل يؤثر سلباً على أصحاب المحالّ التجارية في بنت جبيل، الذين يزيد عددهم على السبعين تاجراً، وهم ينتظرون بفارغ الصبر، كل يوم خميس لبيع بضائعهم للمتسوقين من أبناء المنطقة»، معتبراً أن «شلّ حركة السوق هو سابقة خطيرة، من شأن استمرارها أن يؤدي الى إقفال العديد من المؤسسات التجارية في البلدة، ولا سيما من الذين يستأجرون المحال التجارية ويدفعون مقابل ذلك بدلات إيجار مرتفعة».
يعتبر سوق الخميس في بنت جبيل «نص الدنيا» بالنسبة إلى المقيمين والمغتربين على السواء، لأن وجوده مرتبط بنمط الحياة الاجتماعية والاقتصادية لأبناء المنطقة، كونه من الأسواق الشعبية الأقدم في لبنان، إذ يعود تاريخه الى أكثر من 200 عام، كما يشير المؤرخ الراحل محسن الأمين، إذ كان تجار المناطق البعيدة يأتون قبل يوم أو يومين من موعد السوق، ليتسنّى لهم البيع والشراء، يبسطون بضائعهم على الأرض أو على طاولات أو ضمن عرائش تنصب ليلة الخميس لهذه الغاية. وكانت العملة المتداولة هي الليرة الفلسطينية، وأحياناً اللبنانية، حتى الأربعينيات من هذا القرن. حينها «كان موقع بنت جبيل الجغرافي على الطريق الأساسي الذي كان يجمع لبنان بفلسطين، ما جعل السوق رائداً ومركزاً للتجار، ولا سيما تجار الحبوب، حتى إن بعض المنتجات والسلع كانت تصل الى السوق من مدينتي طرابلس وبيروت. ليصبح السوق مركزاً رئيسياً لأبناء المناطق المحتلفة».
بحسب ابن بنت جبيل أحمد بيضون: «باستثناء أيام حرب تموز الأخيرة، بعدما دمرت الطائرات الإسرائيلية سوق بنت جبيل بالكامل، لم يتوقف سوق الخميس في بنت جبيل إلا في عام 1978 عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية السوق في محاولة لمحو ذاكرة الأهالي، فسقط يومها عدد من الشهداء والجرحى، وقد عمد العدو بعدها الى اجتياح السوق وهدم معظم المباني المحيطة به، بهدف إيقاف الحركة التجارية، لربط المنطقة تجارياً باقتصاد الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة».
أبناء بنت جبيل يتوقعون أن يستعيد سوق الخميس نشاطه مجدداً، وهذا ما حصل سابقاً عندما ذهل الجميع بانعقاد السوق في أول يوم خميس بعد انتهاء حرب تموز»، وقتها أقيم السوق على الركام والأنقاض، بعدما تهدمت معظم المؤسسات التجارية في بنت جبيل، أي حوالى 75% منها. وأعيد بناء السوق على نفقة الحكومة القطرية، وفق خطة هندسية أخذت بالاعتبار طريقة البناء القديمة، حفاظاً على ذاكرة المدينة وتراثها.
المصدر: الأخبار