العلاقة السنية – الشيعية في لبنان ليست بخير، بل انها بلغت ذورة التشنج، وكادت تتحول صراعاً مفتوحاً لولا مسارعة “تيار المستقبل” و”حزب الله” إلى تجاوز الجراح والالتقاء حول طاولة حوار، بهدف تخفيف الاحتقان المذهبي الذي بدأ يظهر بعد فترة من اغتيال الرئيس رفيق الحريري والذي كان في رأي كثيرين صمام أمان، فكيف تطورت العلاقة بين غالبية السنة والشيعة منذ الاغتيال الى اليوم؟
في البداية، لابد من الاشارة الى ان استخدام عبارتي السنة والشيعة يرمز الى الجماعتين السياسيتين بما هما مكونان يستندان الى ولاء غالبية في طائفتين في منطقة ترزح المشاريع السياسية الاقليمية الكبرى فيها عند فوالق الطوائف والجماعات.
لم يربط الوجدان السني عامة بين التفجير الزلزال و”حزب الله”، في بداية الأمر، وحافظ الطرفان على علاقة شبه مستقرة، وكان التحالف الرباعي السبب في تشكيل الحكومة بعد الانتخابات العام 2005، وفق الباحث الاسلامي والقيادي في تيار المستقبل رضوان السيد الذي يؤكد أنه “في العامين 2006 و2007، بدأت العلاقة تسوء نتيجة سلوك الحزب، تجاه الحكومة ورئاسة الجمهورية وبلغ هذا السوء ذروته في أحداث “7 ايار” 2008 ، وتبيّن عقب ذلك أن الحزب عبر اربعة عناصر وباتوا الآن خمسة متهم باغتيال الحريري، فبلغت العلاقة درجة عالية من السوء في تصرفات الحزب المتتالية كاحتلال بيروت وفشل الحكومات والتوتر بعد انتخابات عام 2009، وتشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي كانت تابعة لـ”حزب الله” والنظام، فضلاً عن ظهور تنظيمات أسموهم “سرايا المقاومة” في مدن وقرى ذات غالبية سنية، كما ان المراكز المسلحة للحزب و”حركة أمل” والحزب القومي السوري بقي منتشرة”. ويشير إلى أن التوتر تضاعف “عندما تبيّن أن الحزب كان يتمدد ويستولي على الدولة بالكامل ويستهدف السُنة لأنه اعتبرهم الفئة المعارضة الرئيسية لسيطرته”.
انطلقت الثورة السورية في العام 2011 وزادت “الطين بلة” بين السنة والشيعة، ويوضح السيد ان “الايرانيين وحزب الله اعتبروا الثورة السورية تهديداً كبيراً لنفوذهم بعد ان اطمئنوا للسيطرة في العراق وسوريا ولبنان، فقابلوا الثورة بالقوة وأعلنوا عن مقاتلة التكفيريين وباتوا ينتشرون في معظم الاراضي السورية، وزاد من حدة سوء العلاقة ظهور انتحاريين وانتشار الاضطراب الذي لا يزال موجوداً لكن تم تخفيفه من جهتين.
الاولى: تشكيل حكومة توافقية، قال الرئيس الحريري انه اراد منها تخفيف التوتر وحل المشكلات التي خلفها التعصب في مصالح المواطنين.
الثاني: دخول “المستقبل” في حوار مع “حزب الله” برعاية الرئيس نبيه بري لتخفيف الاحتقان المذهبي.
ورغم ذلك، لا يعتبر السيد أن “الحوار سيوصل الى نتيجة معتبرة في ما يتعلق برئاسة الجمهورية او تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في لبنان، لأن الايرانيين يستخدمون مناطق النفوذ للضغط على الاميركيين والعرب في ما يتعلق بمصالحها”. ويرجح ان يستمر التوتر “وان كان المستقبل دائما يحاول ان يخفف من درجته”.
يرى السيد ان “مسؤولية اغتيال الحريري الملقاة على عاتق “حزب الله” باتت مسلّم بها، وانا مقتنع ان حزب الله هو من اغتال الحريري، وان هناك قراراً كبيراً ايرانياً سورياً باغتيال الحريري وباقي الاغتيالات وان الحزب هو الذي نفذ العملية”.
العصبية والعقلية القبلية
من جهته، يرى السيد جعفر فضل الله أن “اغتيال الحريري أريد منه ادخال العلاقة السنية – الشيعية في اطار ازمة عصبية”، لكن لم تبدأ المسألة من الاغتيال بل في رأي فضل الله “كانت هناك اثارة للعصبيات في المنطقة عموماً كالعصبية الفارسية العربية التي نشأت اثر الحرب العراقية – الايرانية وعصبيات نشأت بين المسلمين والمسيحيين”.
ويشير إلى أن “النظام التربوي العصبي السائد في الشرق الذي يعيش نوعا من العقلية القبلية يغلب فيها الاطار على المبادىء والقيم، هي نفسها تم استثمارها في توجيه العصبية لتعيش في اطار العلاقات السنية – الشيعية”، ويضيف: “هناك ازمة تربوية تربي الانسان على اساس أن الاطار الذي ينتمي اليه هو يمثل كل القيمة، لكن التشيّع والتدين لا فرق بينهما على مستوى القيم الاخلاقية والروحية، بل هناك تفاصيل عقائدية بين المذهبين لا ينبغي ان تؤثر على السلوك”.
ولا يخفي فضل الله أن “اغتيال الحريري ليس حدثاً عابراً وانما هو ضخم مثل الزلزال، ترك تداعياته على مستوى المنطقة وليس لبنان فحسب، وربما كان انعاكسا لتوترات في المنطقة كلها وبالتالي أدى الى حالة تأزيم قصوى للوضع المذهبي، ساهمت فيه فضائيات فتنوية وخطاب تحريضي ونوع من عدم ضبط المسارات المؤسسية، ومنها الجانب القضائي الذي من المفترض ان يعمل من دون حركة اثارة وان يأخذ مجراه بخصوصيته”، لكن رغم ذلك “فإن الشعوب بدأت تعي ان موضوع التخندق خلف الشعور المذهبي لا يجني سوى المصائب على الأمة، واصبح الناس اكثر تقبلا للحلول التي من الممكن ان يحصل فيها تقارب، فالحوارات التي يشهدها لبنان المباشرة وغير المعلنة على مستوى المنطقة، جزء من وعي الكثير من القوى لحجم المخاطر من التوتير المذهبي، واذا تضافرت جهود العقلاء يمكن ان نجد تخفيفاً لحدة الاحتقان المذهبي او يمكن أن نشهد نقلة نوعية في الفكر الاسلامي والعربي في النظر الى مشكلاته التاريخية اذا تضافرت الجهود أكثر”.
هل بات مسلماً به ان “حزب الله” اغتال الحريري؟ يجيب: “هناك مشكلة ان حركة القضاء الدولية لا يمكنك ان تعزله عن الصراع في المنطقة ولذلك فقد يبدأ القضاء في اتجاه وينتهي بآخر بحسب السياسة التي تستخدم المنظمات الدولية لامتلاك اوراق قوة”.
الشباب يريد السلام
لم يتعافَ لبنان من تشنجات الحرب الأهلية، وكان للرئيس رفيق الحريري قيمة في حضوره ومشكلة في غيابه، إذ تقول الباحثة في الفكر السياسي وعلم الإجتماع الدكتورة فهمية شرف الدين أنه “مع استشهاد الرئيس الحريري لم تعد التشنجات طائفية بل سقطت عمودياً وتراجعت وباتت مذهبية، وكانت هناك دراية للمشكلات التي سينتجها اغتيال الحريري”. وتصف العلاقة الحالية بين السنة والشيعة بـ”السيئة جداً والاثنان يفهمان ان لا احد منهما سيربح، ولذلك لكل أسبابه في الدفع نحو تخفيف التشنج”.
وترى أن “التعويل الآن على وجود شخصيات سياسية من وزن الرئيس الحريري، حتى يخفف من هذا التشنج القائم، ونتمنى ان يستطيع نجله أخذ الدور نفسه وينظر بعين والده الذي اتى من خارج الحرب ليقود لبنان الى السلام”، مؤكدة أن “الشباب اللبناني متعطش ليدخل السلام، فهو لا يغادر بلاده من قلة فرص العمل فحسب بل لأن الوضع لا يحتمل، وبسبب التنشنج السياسي والطائفي والصراعات السنوية داخل الطوائف والفساد بين رجال الاعمال”.
المصدر: النهار