لأن الأحلام لا تقتلها الأيام، ولأن الطموح ليس له حدود، تقدّم عبد الله طالب ابن 62 عاماً الى شهادة البريفه. نعم هو غريب وسط زملائه في العمر، لكن ليس في الهدف الذي أصرّ علىالوصول اليه منذ تهجيره من بلدته الطيبة (قضاء مرحعيون) عام 1967 ما دام قلبه ينبض بالحياة.
أمس كان اليوم الذي طالما حلم فيه عبد الله طوال سنوات، فها هو يحمل أقلامه ويذهب إلى المدرسة ليجري امتحاناً، تماماً كما الصبية الذين كان يراقبهم من بعيد وهو صغير فيشعر بغصّة من زمن حرمه العلم وهجّره إلى بلدة الريحانية ليعمل مع شقيقه الأكبر في التريكوً لينتقل بعدها إلى بيروت ومن ثم إلى المملكة العربية السعودية.
طالب الذي ترعرع في عائلة فقيرة مؤلفة من ثلاثة شبان وثلاث شابات، عاد إلى بلدته بعد تحرير الجنوب وفي رأسه هدف كبير وهو الحصول على الشهادة أياً تكن الصعوبات، فهو لا يعرف معنى المستحيل، لم يبال بتعليقات الجيران والمقربين،فرغم أنه رجل أعمال ويعمل في مجال العقارات، إلا انه لم ينسَصفعة القدر له وحرمانه من الجلوس على مقاعد الدراسة، وقد حان وقت المواجهة والغلبة.
صورة مغايرة
انتشرت صورة طالب وهو على مقاعد الامتحانات بسرعة على مواقع التواصل الاجتماعي، لأن أحدًا لا يتوقع أن يتقدم شخص من عمره إلى شهادة البكالوريا، وكم بالأحرى إلى الشهادة المتوسطة، هذا ما يثير الدهشة. وعلق في حديث مع “النهار”: “في لبنان والعالم العربي حين يصل الانسان الى عمر الستين يحيلونه إلى التقاعد، يجبرونه على الجلوس في المنزل، يدفنونه وهو على قيد الحياة، لذلك أريد أن أعطي صورة مغايرة لمن يصل إلى سن التقاعد بأن يكون لديه طموح حتى لو كان آخر يوم في حياته”.
على هامش الحلم
عبدالله أب لشاب (حسن 40 عاماً) وشابة عناية (38 عاماً) والجد لثمانية أحفاد، ومختار بلدته سابقاً، وخبير تخمين. وقال: ” كنت احلم ان اصبح محاميا، عندما كنت اسمع ان شخصا ما حصل على شهادة كنت أتأثر، واليوم انا اعمل في مجال قريب نوعًا ما، لذلك بالاضافة الى كون لديّ مكتب عقاري، أنا مستشار في التحكيم العربي والدولي، وقد خضعت السنة الماضية لدورة في القاهرة، لذلك اجلت امتحان البريفه الى هذه السنة”. ابنة طالب حصلت على شهادة على عكس اخيها الذي فضّل العمل حلاقًا وليس موظفا.
اللغة الثانية تحبطه
أخذ قراره ومضى به ولن يتراجع عنه، وقال “عندما دخلت في الأمس إلى المدرسة تأثرت، التلامذة غمروني بمحبتهم، الجميع التقط صورا معي”وعما اذا درس جيداً”، قال “نعم لكن لغتيالثانية ضعيفة لذلك احد اهدافي ان اتمكن من دراسة اللغة الانكليزية، ليس للحصول على الشهادة، لكن لأتمكن من المحادثة فقط”، وعن الامتحانات علق “فحص الرياضيات اليوم لم يكن سهلا بالنسبة إلي، كونه باللغة الفرنسية وانا لا اجيدها،لكن فيما خص امتحان اللغة العربية فقد كتبت جيدا” ، وأكد انه لم يغش ولم يغشش أحدا.
“نجاحي أكيد”
يرفض طالب فكرة امكانية أن يرسب “سأنجح بالتأكيد، حتى إن أحد المراقبين قال لي أنه يجب على وزير التربية أن يمنحني شهادة رمزية، لكن جوابي كان أنني لا أريد شهادة كي أضعها على جدران المنزل بل أريدها باجتهادي، ولن يقتصر الامر على هذه الشهادة بل سأتابع دراستي ما دمت حيّاً، وسأتعلم الانكليزية، قد يتعجب البعض لكنني لا استطيع ان اقف عند حدود، فلا بد من ان يتقدّم المرء ويوسع ثقافته طالما بامكانه ذلك”.
قبل أن تنتهي الامتحانات وتصدر النتائج، نجح طالب في ايصال رسالته إلى العالم بأن”العلم لا يحده عمر”.
المصدر: النهار