’لبنانيون’: 1600 عام لحشد تجمّع موازٍ لجمهور المقاومة
ميساء مقدم
ما أجمل الديمقراطية في بلادنا. حرّية إعلام وأحزاب سياسية وآراء متنوّعة ومتناقضة، كلّها تجتمع تحت سقف الوطن الواحد. “لبنانيّون”. تجمّع يُقال أنه للبنانيين من مذاهب مختلفة، الا أن البعض يشدد على أنّ الطابع الغالب فيه هو المذهب الشيعي. هكذا يصفه المروّجون له. تجمّع يريد أن يقول لحزب الله كفى.. هناك في الضفة الأخرى آراء مختلفة.
يروّج اعلام حزب “المستقبل” منذ فترة غير وجيزة لهذا التّجمّع. مقالات ومطوّلات نشرت حول ثورة “لبنانيون”. جاء يوم الفصل الموعود. إنها ساعة الموقف. بعد ظهر الأربعاء، فجأة، تقطع معظم الشاشات اللبنانية بثّها الاعتيادي (نيو تي في، أم تي في، أل بي سي، المستقبل). الى البث المباشر در. “لبنانيّون” أعلنوا ثورتهم الموعودة، وهم في ساحة رياض الصّلح، يخبرون العالم بوجودهم “نحن هنا نرفض تصرّفات حزب الله”، رسالة القوم واضحة.
نتسمّر أمام التلفاز، لنرى الحشود. أين هي الحشود؟ تكاد تكون “الميكروفونات” على المنصّة أكثر عدداً من الحضور. 25 شخصاً على أبعد تقدير (قد يشمل العدد المصوّرين والمراسلين) هم حصيلة قرابة شهرين من “الاجتماعات واللقاءات التحضيرية”، بحسب ما يؤكّد أحد أعضاء اللجنة التحضيرية الصحافي محمد بركات في حديث لصحيفة “المستقبل” قبل يوم واحد من “الانتفاضة”.
علمياً. اذا كانت مظاهرة من 50 شخصاً (مبحبحين) احتاجت مع “لبنانيون” قرابة الشهرين من العمل، فكم من الوقت سيحتاج هذا التجّمع الوطني ليحشد 500 ألف شخص (على أقل تقدير) كما يفعل حزب الله في المظاهرات التي يدعو اليها؟ عملية حسابية بسيطة تبين ان هذه الحركة ستحتاج الى 20.000 شهر، أي ما يقارب الـ1600 عام، لحشد تجمّع يوازي في العدد تجمّعات جمهور حزب الله.
لكن العدد ليس مهماً بجميع الأحوال. يحاول المنظمون التعويض . المطلوب الايحاء بتنوع ما في المشهد . سيدة عجوز تحمل لافتة وتتقدم المنصة. وخلف المنبر شابان يحملان لافتتان كتب على احداها (كفرصير = بعلبك)، وعلى الثانية (دير الأحمر = حاصبيا). بغض النظر عن الرسالة المبهمة التي لم تصلنا، ينتابنا التعب نيابة عن الشابين. كيف تمكّنا من الصمود كل هذا الوقت رافعين أيديهما، حاملين اللافتات بهذا الشكل. ولاستكمال المشهد، لا بد من رجل دين بعمامته الشيعية.
سرعان ما يتبين للمشاهد أن محاولة التعويض باءت بالفشل. بدت الصورة أقرب الى مسرحية سيئة الاخراج لطلاب الصفوف الابتدائية.
التجمّع الذي عنونت صحيفة “المستقبل” قبل يوم من تنفيذه أنه موجّه ضد حزب الله و”داعش”، تحوّل في اليوم التالي من خلال كلمات الخطباء (الذين رأينا بعضهم للمرة الأولى على التلفاز) الى استهداف حزب الله حصراً. المفارقة أيضاً1 بالوصف المعطى لـ”المتجمّعين” أنفسهم من خلال الاعلام الآذاري. ففي حين وصفته قناة “ام تي في” بـ”تجمّع الشيعة المستقلين”. عنونت قناة الـ”أل بي سي” “عملاً للوحدة ورفضاً للفتنة”. علماً أن “الوحدة” و”المذهبة” ضدّان لا يتّفقان.
أسباب مذهبة التجمُّع مع محاولة اعطائه طابعاً وطنياً، واضحة. لقمان سليم هو الجواب. الرجل الذي “رسب في امتحان الخارجية الأميركية” بحسب صحيفة “الأخبار”، وجمدت “واشنطن أخيراً أحد أهمّ المشاريع التي أوكلت إلى “الناشط المدني” أي “ضرب حزب الله كحركة مقاومة من داخل البيئة الشيعية”، بسبب “فشله في إتمام المهمة””. فبعد اقفال الأميركيين لـ”حنفيّة” الأموال على “شيعة السفارة”، بسبب فشلهم في تقليب الرأي العام الشيعي ضد مقاومته، رفع هؤلاء من سقف تحرّكاتهم في محاولة اثبات وجود. يريدون استدراج عروض جديدة من السفارة الراعية. نشاطات كثيرة ومقالات وأقلام، يُدرك مفبركوها أن عنوانها الفشل، لكنّهم يدركون أيضاَ، أنها تشكل أوراق اعتماد جديدة لهم أمام “السّيد الأميركي”.
خلاصة القول، إن هؤلاء “اللبنانيون” ومن خلال نشاطاتهم يناقضون ما يحاولون اثباته جاهدين حول تطرف حزب الله وتسلطه ورفضه للآخر. فهم يعلمون انهم ما كانوا لينظّموا تجمّعهم الفارغ هذا أو يكتبوا مقالاتهم الحاقدة، لولا ديمقراطية مَّا يتمتع بها جمهور حزب الله. فجزء كبير منهم يعيش داخل بيئة المقاومة. حتى أن احد البارزين بينهم يقرّ في آخر مقابلاته المتلفزة أنه يعيش في الضاحية الجنوبية، ولا أحد يتعرّض له. ما أجمل الديمقراطية في بلادنا.
المصدر: العهد