التوقيت في اميركا هو غيره في لبنان. الليل هنا هو نهار العمل هناك. لكن اختلاف الحسابات هذا لا يشمل بالتأكيد الوقت، إلا لدى بعض العقول اللبنانية، لينطبق مثلاً على المدة التي استغرقها الاجتماع بين الوفد اللبناني برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس الاميركي باراك اوباما.
ففي بيروت، جرى الكلام عن اجتماع دام ساعة كاملة. اما في نيويورك فكان كل وقت الاجتماع بين اوباما وسليمان ربع ساعة، مضافاً اليه نصف ساعة هو الوقت الذي استغرقه اجتماع كامل الوفدين الاميركي واللبناني. الانطباع الذي وصل الى لبنان عن الاجتماعين العام والرئاسي المنفصل، أفاد بأنه كان وديا. والانطباع نفسه اكدته ايضا مصادر نيويورك.
كان لرئيس الجمهورية اجتماع آخر مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وثمة معلومات جديدة عنه، خاصة بالشكل، مفادها ان اللقاء حصل بطلب من موسكو. وفي المعلومات ان الخارجية الروسية اتصلت بقصر بعبدا عشية سفر الرئيس الى نيويورك، وأعربت عن رغبة لافروف بلقائه على هامش اعمال الدورة الـ ٦١ للأمم المتحدة.
وجديد ما تسرب لبيروت من داخل كواليس أروقة الامم المتحدة في نيويورك، التي تحولت الى خلية اتصالات جانبية لبحث تفاصيل الأزمات العالمية وليس فقط كبرياتها العامة، معلومات حول ما ينوي رئيس الجمهورية القيام به بعد عودته الى لبنان بخصوص حسم ملف تشكيل الحكومة العتيدة. ومفاد التسريبات ان سليمان بحث في لقائه مع رئيس الجمهورية الاسلامية في ايران الشيخ حسن روحاني الوضع الداخلي اللبناني وأطلعه على نيته زيارة السعودية وأهمية المساهمة الإيرانية والسعودية في ايجاد حلول للازمات اللبنانية الداخلية. وتكشف هذه المعلومات ان سليمان سيحمل معه الى السعودية صيغة حكومة الـ٩-٩ -٦ بدل الـ٨ – ٨ – ٨، ساعياً إلى إقناع المسؤولين السعوديين بها، خصوصاً بعدما لمس معارضة شديدة من النائب وليد جنبلاط لفكرة تأليف حكومة أمر واقع وفق الصيغة «ثلاث ثمانات».
وبحسب هذه المصادر، المنشغلة في هذه المرحلة بتوقيت ساعة ما ستحمله مرحلة ما بعد نيويورك للأوضاع السياسية الداخلية في لبنان، فإن سليمان عاد من رحلته الاميركية بدعم دولي لقيادة حلول للأزمات السياسية في لبنان، على نحو يخدم مفهوماً دولياً يسعى لتحقيق هدفين: حصر الاضطراب في سوريا داخل حدودها ومنع انتقاله الى دول الجوار كلبنان والاردن وتركيا واسرائيل. والثاني قيام دول الجوار بدور كامل في استيعاب النازحين السوريين.
والسؤال الذي ستجيب عنه الايام المقبلة هو: هل سيصطدم سليمان خلال زيارته للسعودية بمطبات اختلاف التوقيت السياسي بين الدولي والاقليمي؟ بمعنى آخر هل سترفض الرياض صيغة الحل لمصلحة استمرارها في شد خيوط الازمة اللبنانية باتجاه الضغط على حزب الله انطلاقا من انه احد اهداف مشهد الصراع الذي تريد له ان يستمر في سوريا؟
الجواب رهن بمزاج النظام السعودي، وبقدرة الملك على اتخاذ القرارات. والقدرة هنا صحية بالدرجة الاولى. فرئيس الجمهورية سبق أن طلب موعداً لزيارة الرياض، وعبّر عن رغبته بلقاء علني مع الملك عبد الله بن عبد العزيز. لكن الجانب السعودي رفض ذلك، متذرعاً بالوضع الصحي للملك. لكن الأخير، وبحسب ما وردت معلومات للقصر الجمهوري اللبناني، التقى عدداً من المسؤولين بعد رفض طلب سليمان.
جولات رئيس الجمهورية ولقاءاته، انطلاقاً من نيويورك، تحمل «هدفاً مكتوماً» يتمثل ببدء تمهيد الأرضية السياسية الدولية والإقليمية لطرح مسألة تمديد ولايته، بحسب مصادر رسمية رفيعة المستوى. وتشير هذه المصادر إلى أن سليمان، وفي حركته الرامية إلى تأليف الحكومة، يضع نصب عينيه أيضاً قضية التمديد، خصوصاً لناحية تشديده على أن تكون وزارة الخارجية من حصته، بذريعة تطبيق سياسة «النأي بالنفس» عن الازمة السورية، فيما يسعى إلى توزير السفير ناجي أبي عاصي، ليتولى الأخير تسويق التمديد لسليمان خارجياً. كذلك تؤكد مصادر رفيعة المستوى في فريق 8 آذار أن مقربين من سليمان طلبوا من رجال أعمال تربطهم صلات قوية بدوائر قرار إقليمية وغربية، المباشرة بطرح فكرة التمديد، على قاعدة وجود 3 «مستحيلات»: استحالة إجراء انتخابات رئاسية في لبنان قريباً، واستحالة تأليف حكومة غير توافقية، ثم استحالة اجراء انتخابات نيابية في حال استمر الانقسام العمودي في البلاد على ما هو عليه. خلاصة مقاربة بعض مساعدي الرئيس للأمر تتم وفق قاعدة «سليمان او الفراغ الشامل».