سامي كليب: أزمة صحافيين لا أزمة صحافة

أزمة صحافيين لا صحافة….فلا تضحكوا علينا. 

سامي كليب :

 

                 بعض الصحافيين في الوطن العربي قتلوا الصحافة. هذه هي المشكلة يا سادة. ليست المشكلة مطلقا في الصحافة نفسها. ابتعدت جل الصحف عن الهموم الحقيقية للناس. غازلت السلطات الحاكمة والفاسدة والقامعة. دخلت في المعارك الانتخابية تؤيد هذا وتناهض ذاك. اختارت في صفحاتها الاقتصادية ما يريده رجال الاقتصاد لا الناس. خصّصت في صفحاتها الثقافية ما يريده المسؤول عن الصفحة لا ما تفرضه الثقافة. فلو كان مسؤول الصفحة الثقافية مثلا “شويعراَ” ( أي شاعر صغير) حجب كل انتاج كبار الشعراء. ولو كان يحبو على طريق الرواية، ألغى كل الادباء الكبار. عقدة النقص تقرر ما تريده الصفحة لا اشراقة الادب والشعر والابداع.

 

                 وحين غرق الوطن العربي بالفتن الكبيرة والكثيرة، غرقت قبله الصحافة بدلا من تصحيح المسار والمصير. هذا يشتم النظام وذاك يشتم المعارضة وثالث يشتم الاخوان ورابع يشتم الوهابية وخامس يشتم الشيعة. هذا يهلل للجيوش وذاك يمتدح الإرهاب والمسلحين. رأينا على الأرض العربية تنظيما داعشيا يخفي وراءه تنويعات إرهابية وتكفيرية ولكن أيضا غير إرهابية وانما من الناقمين البعثيين وغيرهم (في العراق مثلا )، ورأينا على صفحات الصحف والشاشات مئات الدواعش من ارهابيي العقول الذين باعوا ضمائرهم وصغّروا نفوسهم وألغوا ما تيسّر لهم من ثقافة وضيعة لينصّبوا أنفسهم ” ابواقا” بامتياز.

 

               لا احب المقارنة بين صحافتنا العربية وصحافة إسرائيلية أغلقت ضميرها عن قتل شعب فلسطيني وقبلت الخضوع للرقابة العسكرية حين يكون في الأمر اخبار أمنية أو حربية او جرمية من قبل كيان غاصب، لكني أسأل : لماذا الصحافة الورقية في إسرائيل ممتازة وعندنا لا ؟ لماذا كلما أراد صحافي عربي أن يستشهد بمقال مهم، فانما يذكر الواشنطن بوست ونيويورك تايمز والغارديان وغيرها …؟ لماذا لا نكون نحن مصدر الخبر عن أوطاننا للاعلام الغربي بدلا من ان نتخول الى ناقلين ببغائيين لكتّاب أجانب . هل يُعقل ان نقرأ محللا أميركيا او أوروبيا او روسيا لنعرف ماذا في بلادنا ؟

 

               نعم هي أزمة صحافيين لا صحافة. هي أزمة سياسيين يتباكون اليوم على اغلاق صحيفة هنا او تلفزة هناك، بينما هم لم يضمنوا للحياة الكريمة للصحافي شيئا. جعلوه يتسول على أبواب النواب والوزارء والإدارات والمؤسسات الاقتصادية والتجارية وغيرها كي يحسّن قليلا من راتبه الزهيد. هؤلاء السياسيون هم من قمع الصحافة. ( اسالوا طلال سلمان صاحب صحيفة السفير العريقة التي أغلقت أبوابها كم كان سرور السياسيين كبيرا حين أغلقها، وكيف تباكى عليه بعضهم الآخر بدموع التماسيح ولم يقدم شيئا لإنقاذ واحدة من اعرق الصحف العربية).

 

               نعم هي أزمة صحافيين لا صحافة. هي أزمة نقابات صحافية تنام كأهل الكهف. ماذا حققت النقابات لنصرة الصحافي ورفع شأنه وجعله يعيش بكرامته من راتبه ويكون مضمونا هو وأولاده طبيا وصحيا ؟ . ما هي المجالات والقطاعات السياحية والثقافية والفكرية والابداعية التي يستطيع الصحافي ان يستفيد منها بابراز بطاقته الصحافية كما يحصل في الدول التي تحترم المهنة.

              ان صحافة عاشت على المساعدات والهبات والتحويلات والاغراءات من دول لا تريد للصحافة أصلا أن تكون حرة، تبقى صحافة ذليلة خانعة ويبقى فيها الصحافيون أبواقا، ولو غيرت المسار، انقطع المال وجفت الينابيع وصارت على قارعة الطريق.

 

             تريدون ان ننقذ الصحافة ؟ الجواب سهل :

 

· نترفّع عن الفتن .

· نقدم الخبر الصحيح والشريف والصادق

· نحلل وفق معلومات دقيقة لا حسب الذي يدفع أكثر

· نرفض أن نكون أبواقا في عصر الفتن ونعمل على توحيد هذه الامة

· لا نكون محايدين أمام أزماتنا المصيرية لكننا نكون موضوعين في معالجة الأخبار

· نحاول نحن الصحافيين أن نتوحد ونؤسس اعلاما يليق ولا نترك رجال الاعمال والسياسة والصفقات المشبوهة والمال الفاسد يتحكمون برقابنا …

· نصرف ما نجنيه من الصحافة على الصحافيين وليس لرفع مستوى ثروات شخصية على حساب المهنة وأهلها .

· نرفض أن نتباكى على أبواب الملوك والامراء والرؤوساء والحكام والوزراء لنسترزق مالا مهينا للمهنة وأهلها …

 

هل عرفتم اليوم اين هي أزمة الصحافة ؟ فلنكن واقعيين صادقين بدلا من جلد ذاتنا والاستمرار في جوقة الندب الكاذب .

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …