“زكاة الفطرة” من الأمور الّتي يدور الكلام حولها، وخصوصاً مع نهاية شهر رمضان المبارك، وما تعنيه من أهميّة للصّائمين، ولها في الشّرع شروط وتفاصيل تبيِّن أحكامها، وربّما لا يعرف البعض هذه الأحكام، لذا اقتضى التّوضيح.
ويتحدّث بدايةً سماحة المرجع الإسلامي عن زكاة الفطرة، فيقول: إنّها مقدار من المال يجب دفعه عن كلّ نفس في وقت محدّد من اليوم الأوّل من شهر شوّال الواقع فيه عيد “الفطر”، الّذي أخذت اسمها منه، وقد يقال لها: “زكاة النّفوس”، وهي تجب على كلّ مكلّف اجتمعت فيه شروط (البلوغ/ العقل/ الغنى)، فلا تجب على الفقير الّذي لا يملك قوت سنته بنحو كامل أو تدريجي..
شّروط الفطرة
ولا بدّ أيضاً من توفّر هذه الشّروط قبل بداية الوقت المحدّد لإخراج زكاة الفطرة فيه، وهو ما بين غروب ليلة أوّل شوّال وزواله، وإن كان الأحوط وجوباً لمن لم تتحقّق هذه الشّروط عنده إلا عند غروب ليلة أوّل شوّال أو بعدها إلى ما قبل ظهر يوم العيد، أن يخرجها عن نفسه وعن عياله.
ويتابع سماحته(رض): إذا اجتمعت شروط وجوب الزَّكاة، وجب على المكلَّف إخراجها عن نفسه بالدَّرجة الأولى، وكذلك يجب عليه إخراجها من ماله عمّن يدخل في عياله من أفراد أسرته ومن غيرهم، وهم الأفراد الّذين تجب نفقتهم عليه من أفراد أسرته ممَّن ينفق عليهم فعلاً، كزوجته وأولاده وأبويه، كذلك الأقارب الّذين يعيشون في بيته وتحت كنفه ممن تكفّل بالإنفاق عليهم، كأخته وأخيه ونحوهما، ولا يكفي مجرّد الإنفاق عليهم من دون أن يعدّوا في عياله..
كما أنّ من يصدق عليه أنّه من عياله منهم، لا يشترط حضوره الدّائم ولا حضوره في خصوص ليلة العيد، إنّ من غاب في سفر ونحوه ولو لفترة طويلة، تبقى فطرته واجبة على من يعوله ما دام في عياله ومن أفراد أسرته، كذلك الخدم الّذين يعيشون في بيته ويكونون في رعايته وكنفه، فلا يشمل الخادم الموظّف الّذي يسكن مستقلاً عنه، حتّى لو تواجد عنده معظم النّهار، إلا أن يبيت عنده ليلة العيد ويكون في ضيافته، فيكون ممن يدخل تحت عنوان “الضّيف”..
كما وتجب على من يكون في ضيافته ويبيت عنده، بحيث يصدق عرفاً أنّه نازل في ضيافته، من أقاربه وأصدقائه وغيرهم ممن يستضيفهم لأيّ سبب، ولا بدّ من قدومه عليه قبل هلال ليلة العيد، وإن كان الأحوط وجوباً كفاية نزوله عليه بعد الغروب من ليلة العيد في اعتباره من ضيوفه..
والمهمّ في صدق الضّيافة المبيت، ولو لم يأكل عنده، فلا يشمل من يدعوهم للطّعام والسّهر عنده ليلة العيد إذا لم يبيتوا عنده..
وإذا كان المعيل فقيراً، وبعض عياله غنيّاً، كزوجته مثلاً، أو ولده أو ضيفه، وجب حينئذٍ على ذلك القادر من أفراد عائلته ممن اجتمعت فيهم شروط الوجوب أن يخرجها عن نفسه.
قيمة الفطرة
ويؤكد سماحته(رض): يجب أن تكون الفطرة مما يعدّ قوتاً وغذاءً، مثل القمح ومشتقّاته، كالطحين والبرغل والشّعير، والتّمر والزّبيب، والحليب ومشتقّاته، والأرز والذّرة ونحو ذلك.. ويجوز دفع قيمة الفطرة من النّقد، وتلاحظ القيمة عند أداء الفطرة وإخراجها، كما تلاحظ القيمة في بلد الإخراج لا في بلد المكلّف.
ومقدارها الواجب ثلاثة كيلوات تقريباً عن كلّ نفس، ولا بدَّ من كونها من جنس واحد عن كلّ نفس، فلا يجري دفع كيلو ونصف مثلاً من القمح، وكيلو ونصف من التّمر عن نفس واحدة. نعم، يصحّ لذي العيال أن يدفع جنساً مختلفاً عن كلّ نفس من أفراد عائلته، فيدفع عن نفسه تمراً وعن زوجته حنطة، وعن ولده أرزّاً، وهكذا…
وقت دفع الفطرة
وبالنّسبة إلى وقت دفع الفطرة، فإنّه تجوز المبادرة إلى دفع زكاة الفطرة خلال أيّام شهر رمضان المبارك، أو في ليلة العيد، ولكنّ الأحوط استحباباً ـ حينئذٍ ـ دفعها إلى الفقير بعنوان الدَّين، ثم احتسابها عليه زكاة صبيحة يوم العيد، فإن لم يكن قد دفعها خلال شهر رمضان، فإنّ وقت الإخراج يبدأ من طلوع فجر يوم العيد إلى ما قبل صلاة العيد على الأحوط وجوباً لمن صلّى صلاة العيد، فإن لم يصلّ صلاة العيد، امتدّ وقته إلى ما قبل الظّهر، ولا يجب في إخراجها دفعها إلى الفقير مباشرةً، بل يجوز عزلها جانباً في وقتها، وتأخير الدّفع ولو أيّاماً إلى أن يوصلها إلى المستحقّ، ما دام التأخير لسبب وجيه معتبر عند العقلاء، كالوصول إلى الفقير، أو أداء بعض الواجبات الشخصيّة، أو نحو ذلك مما يشغل الإنسان عادةً في أيّام العيد.. فإن لم يدفعها في وقتها، ولم يعزلها حتى حلّ وقت الظّهر من يوم العيد، فالأحوط وجوباً الإتيان بها بعد ذلك بقصد القربة المطلقة بدون لحاظ وجوبها عليه.
المستحقّ
ومع وجود المستحقّ في بلد المكلّف، لا يجوز نقل زكاة الفطرة إلى بلد آخر على الأحوط وجوباً، وإن كان ذلك جائزاً في زكاة الأموال.. ويجوز النّقل مع عدم وجود المستحقّ، كما يجوز له أن يدفعها في البلد الذي سافر إليه بعد وجوبها عليه في بلده.. ولمّا كان دفعها إلى الفقيه العادل أفضل وأحوط، فإنّه يجوز إرسالها إلى بلد الفقيه حتّى مع وجود المستحقّ في بلد المكلّف…
[فقه الشّريعة، ج1، ص:545 وما بعدها].
وبحسب السيّد أبو القاسم الخوئي(قده) في منهاج الصّالحين، الجزء الأوّل، فإنّه يستحبّ تقديم الأرحام، ثم الجيران، وينبغي التّرجيح بالعلم والدين والفضل.
وحسب رأي أهل السنّة والجماعة، فإنّ زكاة الفطرة تجب على كلّ مسلم، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، عاقل أو مجنون، قال ابن المنذر: “أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم، أنّ صدقة الفطرة فرض”، وقال إسحاق: “هو كالإجماع من أهل العلم”.
ويشترط لوجوبها أمران:
ـ الإسلام: فلا تُقبل من الكافر، لقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ}[التّوبة: 54].
ـ القدرة عليها: بأن يكون عنده يوم العيد وليلته قدر زائد عن قوته وقوت عياله، ومن تلزمه نفقتهم وحوائجهم الأصليّة من طعام وشراب ومسكن وملبس.. وتجب على الوالد زكاة الفطرة عن ولده الصّغير إذا لم يكن له مال، وأمّا إن كان له مال، فتجب الزّكاة في مال الصّغير، ولا تجب من مال الأب.
ويتفق جمهور علمائهم على أنّه يجب عليه إخراجها عمّن تلزمه نفقته كالزّوجة والوالدين، والصّحيح أيضاً، أنّ صدقة الفطر تجب على الزّوجة بنفسها، لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام:164].. وكذلك الأبوين، كما أنَّ الرَّاجح من أقوال أهل العلم، أنّ الدَّيْن ليس مانعاً من وجوب زكاة الفطرة.
ويقولون أنه تجب زكاة الفطرة بغروب شمس ليلة عيد الفطر، وأمّا وقت إخراجها، فالأفضل أن تُخرج صباح العيد قبل الصّلاة، كما ويجوز تقديمها قبل يوم العيد بيوم أو يومين، بحسب ما رُوِيَ، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد لغير عذر.. وتُدفع صدقة الفطرة للفقراء والمحتاجين، ويجوز دفعها لفقير واحد، أو عدّة فقراء، والأولى دفعها إلى الأقرباء الفقراء الّذين لا تجب نفقتهم على المزكّي…
المصدر: بينات