عشيّة نهاية كل عام، تعُود النَغمة نفسها: تضليل وخداع وتحليل صحافي في أفضل الأحوال، تحت عنوان قراءة الغيب وكشف المستقبل. ولأنّ لا قدرة للناس العاديّين على كشف زُور وفشَل الأغلبيّة الساحقة من “تنبّؤات” “أصحاب الرُؤى”، خاصة في ظلّ تعتيم وسائل الإعلام المشاركة في هذه المسرحيّة المهزلة، على التوقّعات الفاشلة، وتسليطها الضوء على حُفنة قليلة من التوقّعات الصائبة، نتيجة معرفتها سلفاً من قبل أيّ صحافي مُتابع، أو لكونها مُبهمة وتحمل أكثر من تأويل، من الضروري بحكم الإلتزام المهني والأخلاقي أن نعرض الحقيقة كما هي، والحُكم النهائي لكم. بالنسبة إلى “تنبّؤات” السيد ميشال حايك عشيّة رأس السنة الماضية والتي لم تتحقّق أبداً، فأبرزها: – توقّعه أن يكون للبنان رئيسان، الأوّل سيُنتخب لكنّه لن يُكمّل ولايته فيُنتخب الثاني، وحديثه عن هدف للبطريرك مار بشاره بطرس الراعي في ملفّ رئاسة الجمهورية، لكنّ لبنان لا يزال حتى اليوم من دون رئيس، ولا هدف ولا حتى مَرمى في المدى المنظور! – توقّعه خطراً جويّاً يُحيط إحدى الطائرات فوق منطقتنا، لكنّ هذا الأمر لم يحصل أبداً، والحمد لله. – توقّعه بانعقاد مجلس سيضمّ شخصيّات فنّية وأمنيّة وسياسيّة وروحيّة حول السيد حسن نصر الله في مكان جديد يظهر فيه السيد نصرالله للمرّة الأولى ويتواجد فيه أخصامه أيضاً. لكن هذا الأمر لم يتحقّق ولم ينعقد أيّ مجلس، إلا إذا كان أحدٌ لم يسمع بهذا الحدث نتيجة الإجراءات الأمنيّة المُشدّدة التي تحيط بالسيد نصرالله، والسرّية التي تطغى على تحرّكاته! – توقّعه حصول معلولا ثانية ولكن هذه المرّة في لبنان، وقوله إنّ الطريق من منزل الرئيس السابق ميشال سليمان وإليه ليست آمنة، وإنّ الإعلامي جورج غانم يسير في طريق وعر للوصول إلى مركز كبير… ولائحة الرؤى الثلاثية الأبعاد(3D) الصائبة جداً تطول ولا مجال لذكرها كلّها! بالنسبة إلى “تنبّؤات” السيد مايك فغالي عشيّة رأس السنة الماضية والتي لم تتحقّق أبداً، فأبرزها: – توقّعه وصول النائب سليمان فرنجيّة رئيساً للجمهورية، ومن بعده النائب سامي الجميل، حيث لا حاجة للتذكير بعدم تحقّق ذلك، علماً أنّ هذا “التنبّؤ” يحمل في طيّاته إنقلاباً في موازين القوى السياسيّة في لبنان 180 درجة لمرّتين متتاليتين في فترة زمنيّة قياسيّة، حتى يُنتخب فرنجية ومن بعده الجميّل! – توقّعه حصول “إرهاب كبير” يطال البيت الأبيض يتفوّق على 11 أيلول، علماً أنّ ما حصل هو نجاح شخص يحمل سكّيناً من الوصول إلى المدخل الشمالي للمقرّ في أيلول الماضي، وإعتقال إمرأة مسلّحة أمام البيت الأبيض في تشرين الثاني الماضي، بينما ضحايا هجوم 11 أيلول 2001 بلغوا نحو 3000 قتيل! – توقّعه خطراً على قوات اليونيفل” يؤدّي إلى إنسحاب من لبنان، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، وتمّ التمديد بشكل طبيعي لفترة عمل القوات الدوليّة، علماً أنّ أفرادها يُرَفّهون عن أنفسهم في مسابح صور والجنوب عموماً. – توقّعه رؤية عائلة الرحباني مُجتمعة في مستشفى، وتمنّيه من فيروز الإنتباه إلى معدتها وكبدها، وربّما صورة “التنبّؤ” كانت مشوّشة، فاختلط الأمر عليه بين صباح رحمها الله، وفيروز أطال الله بعمرها. – توقّعه إرهاباً جديداً يطال صرحاً دينياً مسيحياً يهتزّ له العالم، وحصول نهر بارد جديد شمالاً وجنوباً وخضوع المُخيّمات الفلسطينيّة لسلطة الجيش، وتعرّض رئيس مجلس النواب نبيه برّي لوعكة صحّية وغيرها من “التنبّؤات” التي لم تشفع الثياب السوداء ولا تصنّع الرَهبة ولا تلبّس ملامح الوجه العابسة في جعلها حقيقة! بالنسبة إلى “تنبّؤات” السيدة ليلى عبد اللطيف عشيّة رأس السنة الماضية والتي لم تتحقّق أبداً، فأبرزها: – توقّعها “إرتفاع سعر برميل البترول عالمياً”، ولا حاجة للقول إنّ الدول المُنتجة للنفط تخسر حالياً مليارات الدولارات نتيجة إنخفاض أسعار النفط إلى مستويات قياسيّة منذ خمس سنوات! – توقّعها بأن لا “حكومة في لبنان في العام 2014″، وقولها: “الرئيس المكلّف تمام سلام لن يُشكّل حكومة وصحّته غير جيّدة وأراه في المجلس”، وها هو رئيس الحكومة تمّام سلام، بكامل عافيته، ومعه 23 وزيراً يتنعّمون بمزايا الحُكم والسلطة منذ 15 شباط الماضي! – توقّعها إمكان عودة رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي إلى رئاسة الحكومة، ورؤيتها وزير الداخلية والبلديات (السابق) “ينزل إلى الشوارع ويمد يده للجميع”، ورؤيتها الوزير السابق إلياس المرّ في منصب وزاري، وزياد بارود وزيراً من جديد! – توقّعها “هزة أرضيّة في لبنان تُودي بحياة العشرات”، ولم نعرف إذا كانت تقصد الهزة الخفيفة الي ضربت لبنان في 25 أيار الماضي بقوّة 4,1 درجات على مقياس “ريختر” والتي لم يشعر بها أحد، أم نوعاً آخر من الهزّات التي تبقى داخل أبواب الغُرَف المُغلقة! – توقّعها إغتيال شخصيّات سياسيّة في لبنان، والحمد لله أنّ شيئاً من هذا لم يحصل، حيث تاريخ آخر إغتيال يعود إلى 27 كانون الأوّل 2013، وراح ضحيّته الوزير السابق محمّد شطح. – توقّعها أن يحكم قائد الجيش العماد جان قهوجي بتفويض شعبي وسياسي، وقالت “أراه رئيساً”، وعودة السجناء في سوريا إلى أهاليهم في لبنان، وإرتفاع سعر الذهب، وتعرّض النائب عقاب صقر لمحاولة توقيف، وإستخراج البترول في لبنان أمام الكاميرات، ولائحة “التنبّؤات” العظيمة الصائبة طويلة جداً، ولا مجال لذكرها كلّها، علماً أنّ بعضها عربي ودولي، ومنها مثلاً أنّ الرقّة ستصبح بيد النظام السوري في شباط، علماً أنّ الرقّة هي المحافظة السورية الوحيدة التي خرجت أخيراً من سيطرة النظام بكاملها منذ بدء النزاع في سوريا قبل أربعة أعوام! ومن بين “التنبّؤات” الإقليميّة أن يُصدر القضاء المصري “حكماً صارماً لحسني مبارك في السجن”، علماً أنّ محكمة جنايات القاهرة قضت في 29 تشرين الثاني الماضي ببراءة الرئيس المخلوع مبارك ونجليه علاء وجمال، وكذلك أن تعود الجزر الإماراتية الثلاث بعد إنسحاب القوات الإيرانيّة منها، وأن تحدث خضّة في الشارع الإيراني وأن يكون الجيش بالمرصاد! وبعيداً عن أجواء الفُكاهة والسخافة وبالعودة إلى الجدّ، لن نتوجّه إلى وسائل الإعلام المرئيّة التي تُرَوّج لأصحاب “التنبُؤات” وتُحاول إضفاء مِصداقية مفقودة لهم، لأهداف مالية ومُرتبطة بالتنافس على جذب المشاهدين، لكنّنا سنَتوجّه إلى عامة الناس بالقول: لقد حان الوقت لوقف السماح باستغبائكم!
المصدر: النشرة