مريم شهاب
يوجد فـي مدينة ديربورن خمس بنايات يعيش فـيها مسنون أميركيون وعرب ومن جنسيات أخرى. ثلاث منها مخصصة لذوي الدخل المحدود ولمن يتلقون المساعدات الحكومية والباقيتان مخصصتان لأصحاب الرواتب التقاعدية المرتفعة وفـيها تكون معدلات الإيجار مرتفعة مقارنةً بالأبنية الأخرى.
تحزنني كثيراً معاناة الكثيرين من أهلنا وأحبائنا الذين يقطنون فـي تلك المباني العامة المخصصة للمسنين، لاسيما أولئك الذين يعانون من الوحدة والضياع، وفـي أحيان عديدة المرض والإكتئاب. فأكثرهم يتلقى المساعدة وليس لديهم ما يشغلهم. لا يعرفون ماذا يفعلون بكل هذا الوقت الطويل الذي يحول حياتهم إلى فراغ كئيب، إن مدينة ديربورن وأكثر المدن حولها تعج بالفعاليات والأنشطة فـي المكتبات العامة والمسارح والمعارض والمتاحف، وأكثرها تقدم خدماتها للمسنين مقابل أجور رمزية. وإنني أتساءل لماذا لا يرتاد هؤلاء المسنون تلك الأماكن ويستمتعون بما تقدمه من نشاطات وبرامج؟
طبعاً الجواب.. هو أن البحث عن المتعة والشعور بها يتطلبان قدراً من الثقافة والانفتاح، فالمتاحف لا تعني شيئاً بالنسبة لمن لا يدرك أهمية التاريخ، والغناء والموسيقى عند الكثيرين هما رجسٌ من عمل الشيطان، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأعمال الفنية العديدة الأخرى.
وهذا الأمر يعود إلى الخلل فـي التعليم إضافة إلى التزمت الديني والاجتماعي، ففـي المدارس لا يعلمون الأطفال أهمية الاستمتاع بجمال الحياة وروعة الفنون وأهميتها. وأغلب المغتربين العرب لا يستمتعون بشيء غير الأكل والجنس، مع أن كليهما لا يحتاج إلى الكثير من الوقت، وكذلك الحال نفسه بالنسبة لتأدية الفرائض الدينية، من صلاة وقراءة قرآن ورفع أدعية، أما الساعات الطويلة المتبقية فـيقضونها بهذر الكلام والشغب مع أصحابهم، ومشاهدة التلفزيون.
يغيب عن بال الكثيرين من أهلنا وأحبائنا المسنين، أن الخدمة هي باب من أبواب الاستمتاع بالحياة، ولكننا لم نتعلم هذا الشيء على الرغم من أن ديننا يوصينا بخدمة الغير، فالكثير من الأميركيين يجدون متعتهم وسلواهم فـي أشد أوقات معاناتهم، عبر القيام بخدمة الآخرين، من مشردين ومرضى ومحتاجين، كما أن أشخاصا كثيرين من كبار السن المتقاعدين يقومون بغرس الأشجار فـي الحدائق وزرع الورود والعناية بالأزهار فـي الطرقات العامة وأمام المكتبات ومداخل الكنائس..
الأرملة الأميركية وبعد فقدانها لزوجها تجد سعادتها فـي حب الآخرين وخدمتهم، فهي لا تجلس وتقضي بقية حياتها فـي البكاء والنحيب، وإنما فـي العمل الصالح والمساعدة حتى ولو كان الآخرون لا يستحقون. أليس القيام بمثل هذه الأعمال التطوعية والخيرية أفضل وأمتع من الجلوس أمام التلفزيونات وقضاء الوقت بالثرثرة والنمائم؟.
أليس أكثر استحقاقا للإحترام والتقدير لو تبرع البعض من سكان بنايات ديربورن العامة، والقادرون منهم خاصة، على تنظيف ممرات البناية من الداخل ولو مرة فـي الأسبوع؟ أليس من الإيمان تنظيف محيط البناية ورفع الأوراق والمهملات بدلاً من الإتكال على عامل النظافة فـي المبنى؟ أليس نوعاً من العبادة والتقرب إلى الله لو تطوعت بعض السيدات على التناوب لتنظيف زجاج مدخل البناء والتبرع بمبالغ زهيدة لشراء بعض الأزهار وزرعها فـي مدخل البناء كل سنة؟
«أليس خير الناس أنفعهم للناس»؟ إن فـي التطوع خدمة وعبادة ومتعة تخلق جميعها سعادة داخلية وشعوراً بالرضا والحيوية.
إن الإنسان الذي يعطي ويلتمس سعادته ومتعته فـي الحياة، ليس فقط من خلال العناية بحاجاته، بل فـي المساهمة فـي مساعدة من هم أقل حظاً منه.
وللمقال بقية ..
المصدر: صدى الوطن