دار للمسنين… في عيترون

ممنوع دخول الشباب والمراهقين إلا بإذننا (الأخبار)
بخلاف معاناة كبار السنّ والمتقاعدين في قرى بنت جبيل ومرجعيون نتيجة عدم وجود أماكن خاصة بهم، يستعد كبار السنّ في بلدة عيترون صباح كل يوم، للتوجه إلى «نادي المسنين» في وسط البلدة، تماماً كما يفعل طلاب المدارس، لكن طوعاً وبرغبة لافتة

داني الأمين
عيترون | ينهض الحاج عبد الحسين السيد حسن (81 سنة) باكراً. يتناول فطوره ويرتدي ثيابه ويتوجه إلى «النادي». يحبّ أن يكون أول الواصلين؛ «لأنني لا أريد لأحد من زملائي أن يتباهى بنشاطه أمامي، رغم أننا ينتظر بعضنا بعضاً بشغف، لنتبادل ما لدينا من أخبار جديدة عن البلدة وأهلها، إضافة إلى ما سمعناه من أخبار على شاشات التلفزة». قمة السعادة عند السيد حسين «أن أحظى بخبر جديد يأخذ حيزّاً من النقاش المرتقب مع أكثر من 15 مسنّاً أجتمع معهم يومياً في دار المسنين، فأحاديثنا هذه تسلّينا وتجعل الوقت يمضي من دون أن نشعر به، عوض البقاء في المنزل».

هكذا بدّل «دار المسنّين» في عيترون الذي افتتح عام 2006 حياة مسنّي هذه البلدة الجنوبية، وبات نادياً يجتمعون فيه صباحاً ومساءً. «يلتزم الجميع بالحضور مثل طلاب المدارس، حتى إننا نطالب بتدريسنا القراءة والكتابة؛ لأن بعضنا أميّ»، يقول حسين عباس.
في الثامنة صباحاً يبدأ «كبار الضيعة» بالتوافد الى النادي، يتولى أول الواصلين مهمة فتح قفل الباب الرئيسي. البرد القارس لا يقف حائلاً بين المسنين والنادي، «فالدوام بات مقدساً، واللقاء بالصحبة لا يؤجّل. الملل والبقاء في المنزل بلا عمل أصعب بكثير من البرد»، يقول أبو جميل (77 سنة)، مشيراً إلى أن «النادي مجهز بمدفأة وتلفاز وحمام ومقاعد، إضافة إلى مطبخ صغير قلّما نستخدمه إلا لعمل القهوة أو الشاي».
يمنع روّاد النادي الشباب والمراهقين من دخوله «إلا بإذننا. فهذا المكان ملاذنا الوحيد بعيداً عن البقاء في المنزل أو الوقوف على الطرقات». ويضيف حسين عبّاس: «إذا تأخر أحدنا في المجيء في الوقت المناسب، نستنفر جميعاً. فالخوف أن يكون سبب الغياب المرض أو مشكلة في المنزل، لذلك نعمل على التأكد من سبب الغياب».
ويشير أبو ناجي حمد (81 سنة) إلى أن «عدد المواظبين على الحضور إلى النادي يقارب العشرين، وقد يزداد هذا العدد في المناسبات. نأتي صباحاً، ثم نغادر في الساعة الحادية عشرة والنصف لأداء صلاة الظهر وتناول الغداء في المنزل، قبل أن نعود مجدداً إلى النادي في تمام الثالثة عصراً، ونبقى حتى موعد أذان المغرب». ويضيف: «في النادي بعض الألعاب الخاصة للكبار، لكننا نفضل الجلوس معاً والتحدث في شؤون البلدة وأحوال المزارعين».
ويقول رئيس البلدية سليم مراد إن النادي، الوحيد في منطقة بنت جبيل ومرجعيون، «افتتح قبل حرب تموز بأسبوع واحد، وقد دمّرت الحرب جزءاً كبيراً منه، فعملنا بالتعاون مع دولة الإمارات وجمعية البيئة للتنمية والإنسان على إعادة ترميمه، وتجهيزه بما يلزم من تلفزيون وبرّاد ماء وعدد من الألعاب الخاصة بكبار السنّ، وفاءً وتقديراً لهؤلاء الذين قدّموا لنا الكثير عندما كانوا قادرين على العطاء والعمل؛ إذ إن جلوسهم على الطرقات ليس أمراً محبّباً، ومن واجبنا توفير البديل الذي يجمعهم ويوفّر لهم القدر الممكن من الرفاهية».
يقول الحاج مراد مراد إن «الجميع هنا ملتزمون المجيء إلى النادي منذ الثامنة صباحاً. لكنّ المشكلة أن عددنا يتناقص كلما توفيّ أحد منّا». ويشير إلى أن «بعض الشباب يقصدون المكان ليستمعوا إلى أحاديثنا الطويلة، وهي في مجملها ذكريات من تاريخ البلدة ونمط الحياة السابق فيها».
ويرى عبد الحسن السيد حسن (78 عاماً) أن «النادي حمانا من ملل الشتاء وبرده؛ إذ كنّا نضطرّ أحياناً إلى الجلوس على الطرقات، هرباً من المنزل، وهذا أمر صعب بسبب البرد والمطر الشديد، وكان البعض يلومنا أيضاً لجلوسنا على الطرقات؛ لأن النسوة يمررن من هناك، وهذا أمر معيب في حقنا».
يحاول المسنّون خلال جلساتهم الطويلة الابتعاد عن الأحاديث السياسية، ويقول أبو إبراهيم منصور: «المهمّ هو الحديث المفرح الذي يبعدنا عن الملل ويذّكرنا بأيام زمان، عندما كان الجميع يجتمع في ساحة البلدة ويتسامرون ويتعاونون على الخير، وهذا ما نفقده اليوم حتى في منازلنا؛ فأولادنا هاجروا أو ابتعدوا عن البلدة طلباً للعمل، وكلّ منهم في دولة أو مدينة، ومن بقي منهم يجد في مشاهدة التلفاز وسيلة التسلية الوحيدة التي تبعده عن الجلسات العائلية الحميمة والأحاديث الممتعة، وهذا ما يجعلنا أكثر غربة في منزلنا».

المصدر: الأخبار

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …