على وقع قرع دول غربية طبول الحرب ضد سوريا، وتكاثر التصريحات عن احتمال تكرار السيناريو العراقي، ولو عبر عدوان مصغَّر يتمثل بالضربات الجوية المحدودة ومن دون موافقة مجلس الأمن الدولي، وتحذير موسكو وطهران وبكين من الخيار العسكري، استهل المحققون الدوليون مهمتهم في الغوطة في ريف دمشق، على الرغم من تعرضهم لرصاص القناصة والقذائف، على أن يواصلوا عملهم اليوم.
وعلى الرغم من عدم اعلان المحققين عن أية نتائج مرتبطة بمهمتهم في الغوطة، رفعت الإدارة الأميركية من لهجتها، متهمة السلطات السورية بشكل مباشر بالوقوف وراء الهجوم الكيميائي على غوطة دمشق في 21 آب الحالي، ومحاولة إخفاء الأدلّة عبر قصف المنطقة، ما يشير الى أن الولايات المتحدة تقترب أكثر فأكثر من خيار شن عدوان على سوريا، برغم أن البيت الأبيض أعلن أن الرئيس باراك أوباما لم يتخذ قرارا بهذا الشأن بعد.
وقال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني إنه «لا سبيل لإنكار استخدام اسلحة كيميائية في سوريا في انتهاك للعرف الدولي، ولا شك في عقولنا في أن الحكومة السورية مذنبة». وأضاف أن «اوباما يقيم الرد المناسب على استخدام الأسلحة الكيميائية لكنه لم يتخذ قرارا بشأن كيفية الرد». ولم يذكر كارني إطارا زمنيا لاتخاذ أوباما قراره.
في هذا الوقت، خرج الرئيس السوري بشار الأسد بتحذير قوي لواشنطن والدول الغربية، من شن عدوان على سوريا، مؤكدا أنها ستصطدم بالفشل، مثل الحروب التي خاضتها سابقا، وأنه يمكن للغربيين بدء حرب «لكن لا يمكن لهم أن يعرفوا إلى أين ستمتد أو كيف لها أن تنتهي».
ووصف الاسد الإتهامات الغربية حول استخدام القوات السورية أسلحة كيميائية بأنها «تخالف العقل والمنطق، حيث أن القوات السورية لا تبعد كثيرا عن المنطقة». وأعلن أنه طلب، بعد التنسيق مع روسيا، لجنة للتحقيق بموضوع استخدام أسلحة كيميائية في ريف حلب. واستبعد إمكانية ان تساوم موسكو مع الدول الغربية والخليجية بشأن الأزمة السورية. (تفاصيل صفحة14)
وفيما تدرس واشنطن ولندن وباريس الخيارات العسكرية للرد على الهجوم المزعوم بأسلحة كيميائية، حذّرت موسكو من أن التدخل من دون موافقة الأمم المتحدة سيشكل «انتهاكا فاضحا للقانون الدولي». واعتبرت إيران الحديث عن عمل عسكري «خطرا على المنطقة» فيما أعلن العراق معارضته استخدام أجوائه في أي عمل عسكري ضد سوريا.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «إذا اعتقد أحد أن تدمير البنية التحتية العسكرية السورية وترك ساحة المعركة مفتوحة للمعارضة لكي تنتصر سيضع نهاية للنزاع، فإنه واهم»، لكنه شدد على أن روسيا «لا تعتزم الدخول في أي حرب مع أي كان» من أجل سوريا. وأضاف أن «حملة الترهيب قد بدأت، وقد بدأت الأحداث في العراق قبل عشر سنوات وفي ليبيا مؤخرا بنفس الطريقة».
وذكر مكتب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ كاميرون أنه لا يوجد دليل على أن القوات السورية استخدمت أسلحة كيميائية ضد المسلحين، فيما ردّ رئيس الحكومة بأنه «لا يوجد شك» في أن القوات السورية شنت هجوما بأسلحة كيميائية.
زيارة المحققين إلى معضمية الشام
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن المفتشين الدوليين تمكنوا من التحدث إلى ضحايا الهجوم في ريف دمشق رغم تعرض قافلتهم، المؤلفة من ست سيارات، لإطلاق نار قناصة. وسبق ذلك سقوط قذائف هاون قرب فندق «فور سيزنز» حيث تقيم البعثة.
وقال بان كي مون، في بيان عبر الفيديو من سيول، «رغم الظروف الخطيرة للغاية التي واجهها المحققون، إلا أنهم زاروا مستشفيين وقابلوا شهود عيان وناجين وأطباء، كما جمعوا بعض العيّنات». وأضاف «علينا الانتظار قليلا لمعرفة رأي الدكتور (اكي) سلستروم» رئيس الفريق حول العناصر التي جمعت.
وأعلن مسؤولون في الأمم المتحدة أن المستشفيات التي زارها المفتشون هي في معضمية الشام قرب دمشق، وأن الزيارة استمرت حوالى ثلاث ساعات.
وردا على ترويج عدد من المسؤولين الغربيين بأن الأدلة قد تكون اتلفت جراء منع المراقبين من زيارة المنطقة بسرعة والقصف المتواصل عليها، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق إن عملية جمع المعلومات والعيّنات «كانت مثمرة، ويبدو أن الفريق راض عن عمله». وأضاف أن المحققين «يعتزمون مواصلة عملهم الثلاثاء» موضحا أن الفريق «عاد إلى قاعدته لتقييم العناصر التي جمعها اليوم (امس)».
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة مارتن نيسيركي إن السيارة في مقدم القافلة اصيبت «مرات عدة» بعيارات نارية، فيما كان المفتشون يحاولون الوصول الى الغوطة شرق العاصمة، موضحا أنه لم تقع بينهم أي اصابات، وأن «السيارة الاولى لمفتشي الاسلحة الكيميائية عادت بسلام الى حاجز للقوات الحكومية». وتبادلت السلطات السورية والمعارضة الاتهامات بشأن من أطلق النار على اعضاء لجنة التحقيق.
كيري
وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في بيان، إن كل الدول يجب أن تتخذ موقفا لأجل المحاسبة عن استخدام الأسلحة الكيمائية في سوريا.
وقال إن «أسلحة كيميائية استخدمت في سوريا، وهذا الأمر أكيد». وأضاف أن المعلومات حتى الآن، ومنها لقطات فيديو وروايات ميدانية، تبين ان «الاسلحة الكيميائية استخدمت في سوريا. وعلاوة على ذلك نعرف أن النظام السوري يواصل حيازة تلك الاسلحة الكيميائية».
واتهم كيري السلطات السورية بشكل غير مباشر باستهداف المنطقة، معتبرا ان «رفض سوريا السماح بالدخول لموقع الهجوم الكيميائي وقصفه، اشارات على ان النظام لديه شيء ليخفيه»، مضيفا ان «استخدام الاسلحة الكيميائية في سوريا كان واسع النطاق ومن دون تمييز». وأعلن ان لدى واشنطن ادلة اضافية بشأن الهجوم المزعوم وانها ستكشف عنها خلال ايام.
واضاف «ما شاهدناه الاسبوع الماضي في سوريا يصدم الضمير العالمي. انه يتحدى اي معيار اخلاقي. ان المجزرة العمياء بحق مدنيين وقتل نساء واطفال وعابرين ابرياء بواسطة اسلحة كيميائية يشكل وقاحة اخلاقية». وتابع كيري «يعتقد اوباما انه لا بد من محاسبة من استخدموا الاسلحة الاكثر وحشية ضد السكان الاكثر ضعفا في العالم»، مشددا على ان «لا شيء اكثر خطورة اليوم، ولا شيء اكثر يستحق التقصي» من استخدام الاسلحة الكيميائية.
وانسجاما مع موقف حكومته، اتهم كيري ايضا النظام السوري بأن موافقته على توجه محققي الامم المتحدة الى الغوطة جاءت «متاخرة جدا ما يجعلها تفتقر الى الصدقية» وبأنه «قصف الموقع ودمر بشكل منهجي الادلة» الميدانية. وقال «ليس هذا سلوك حكومة لا شيء لديها لتخفيه». وتابع «لا يمكن انتهاك العرف الدولي من دون ان يكون هناك عواقب» لهذا الامر.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماري هارف، بعد بيان كيري، إن ادارة اوباما لم تحدد جدولا زمنيا للرد على استخدام اسلحة كيماوية في سوريا لكن المسؤولين يعدون الخيارات لاوباما بشعور بالحاجة الملحة، من دون تحديد هذه الخيارات. واضافت «يشعر الناس بأنه يوجد احساس بالالحاح، لكن لا يوجد جدول زمني». («السفير»، ا ف ب«، ا ب، رويترز)
شاهد أيضاً
في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)
قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …