حبيب فياض: شعبنا يعشق خناقيه

تتضافر مجموعة من العناصر في تكوين الرأي العام، حيث يؤدي الإعلام دورًا بارزا في تحديد هيكليته وأسسه واتجاهاته. وغالبا ما يشكل الرأي العام ركيزة أساسية تؤثر في الطبقة السياسية وتتحكم بتوجهاتها. هذا في الإطار العام. أما في ما يتعلق بالوضع اللبناني، فثمة خصوصية غير سائدة في البلاد الأخرى، إذ هناك تناقض واضح بين البنية السطحية الظاهرة اليوم في وسائل الإعلام، والبنية العميقة التي أنتجت الطبقة الحاكمة المسؤولة عمّا آلت اليه الأمور في البلاد من اهتراء وفساد.الازدواجية التي يعيشها اللبناني تتمثل في كونه هو من انتخب ممثّليه وأوصلهم إلى سدة الحكم. تتجمهر كل طائفة لاحتضان زعيمها وتدافع عنه من جهة، وفي المقابل، تخرج من جهة ثانية مجموعة من هذه الطائفة أو تلك لتعرب عن احتجاجها على ما هو قائم من فساد في الدولة بمختلف قطاعاتها. يتجلى الارتباك في الرأي العام اللبناني حيث هو غير راضٍ عن تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وينوء بأعباء الحياة اليومية، ولكن كل ذلك لا يمنعه من الولاء لقائده، أو لرئيس حزب ما يدين له بالتبعية والانتماء. في الحالة هذه، يبقى اللبناني منقسما على ذاته، يقدم ويحجم، من دون أن يبلغ مرحلة التحول، الذي يتيح له الانتقال من حالة الفلتان والفوضى إلى المضي باتجاه لبنان الجديد.

برغم الحملات التي أطلقها الناشطون تحت عناوين مكافحة الفساد، إلا أنها إلى اليوم لم تستطع أن تغير في وجهة الرأي العام اللبناني. فالمواطنون الذين نزلوا إلى الشارع، على كثرتهم، لا يعبرون عن التوجهات الفعلية لغالبية اللبنانيين. هذه الغالبية التي لن تتردد في التخندق خلف زعيمها وطائفتها في حال وصلت الأمور إلى لحظة المحاســبة. ذلك أن ولاء اللــــبناني، غالبا ما يكـــون لمصلحة الزعيم على حســاب الدولة، ومن أجل الطــــائفة بعيـــدا من الوطن، وخدمة للحزب بمــــعزل عن مصلحـــة النظام والمجتمع.

يعود التناقض القائم في المشهد اللبناني إلى مرحلة ما قبل تأسيس الدولة. وليس من المبالغة القول إن اللبنانيين نادرا ما يجمعون على رأي واحد سواء في ما يتعلق بالسلطة أو بالحاكمين، أم في ما يختص بالهموم المعيشية. هناك تعارض صارخ بين ما يتطلع إليه «الرأي العام» اللبناني وبين ممارسات القوى المنتجة له، حيث يتم تشكيله تبعا للخصوصيات المناطقية والحزبية والطائفية، بما يعني أن لبنان – بخلاف جميع الدول – يفتقد إلى رأي عام موحد ويشتمل على الكثير من الآراء العمومية. فهنا كل طائفة وجماعة تصنع رأيًا عامًا، بما يتناسب واحتياجاتها الضيقة، ليصبح البلد عبارة عن آراء عامة متصارعة، على كل كبيرة وصغيرة، بالسياسة طورا وبالسلاح تارة أخرى، بدءا من هوية الوطن مرورا بمغانم الدولة وصولا إلى موقعة النفايات.

مشكلة اللبنانيين في العموم هي التقوقع داخل عباءة الطائفة والانقياد الأعمى لزعمائها. هذا الأمر يترسخ وينتقل من جيل إلى جيل ومن عهد إلى آخر، وعليه يتم توارث السلطة إلى جانب المفاهيم الخاطئة عن المواطنة والحرية والحقوق والواجبات. فكيف يمكن لمن شب وشاب على هذه السلوكيات أن ينطلق لبناء دولة القانون والمؤسسات؟ فالدولة لا تُبنى بالشعارات أو بالحماسة، بل تتطلب إعادة صناعة جيل كامل على أسس مواطنية سليمة، ذلك أن الاتصاف بالمواطنة ليس قرارا يتخذ في لحظة حاسمة، أو مطلب يمكن الاستجابة له تحت وطأة ضغط الشارع.

لكن في كل الأحوال لا مفر من الاعتراف أن التغيير لا يكون إلا بخطوة تبدأ في مكان ما.

المصدر: السفير

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …