محمد بلوط
عودة سورية إلى جنيف نهاية تشرين الأول المقبل. الموعد المفترض يسعى الروس إلى استصدار إعلان بعقده قبل غروب تشرين الأول، من وزراء خارجية الخمس الكبار في مجلس الأمن في اجتماعهم النيويوركي اليوم.
ويقول مصدر أممي في جنيف، يعمل على تنظيم مؤتمر «جنيف 2» الدولي حول سوريا، إن الأمم المتحدة أعلمت عرابي جنيف، من الروس والأميركيين، أن التحضيرات لانعقاده تتطلب 30 يوما على الأقل، قبل دعوة جميع الأطراف إلى الطاولة السويسرية.
وخلال الساعات المقبلة يضيف عرابا الاتفاق على الكيميائي السوري زخما جديدا للعملية السياسية حول سوريا، بضمهما وزراء الدول الثلاث الأخرى إلى إعلان انعقاد المؤتمر، لتفادي الظهور منفردين مرة أخرى بالقرار الدولي حول سوريا، كما حصل في «الكيميائي».
وللمرة الأولى منذ اندلاع الأزمة السورية، يتجه مجلس الأمن إلى التصويت خلال ساعات على مشروع قرار يضع إطارا لتدمير الترسانة الكيميائية السورية، بعد اتفاق أميركي ــ روسي بشأن هذا الأمر. ويلحظ مشروع القرار إمكان أن يفرض مجلس الأمن في اجتماع لاحق عقوبات بحق دمشق إذا لم يتم احترام خطة نزع السلاح الكيميائي، وفق ما أوضحت مصادر ديبلوماسية.
ورغم أن الأميركيين والروس خاضوا وحدهم، من دون فرنسا وبريطانيا والصين، المفاوضات التحضيرية لخريطة جنيف، إلا أن إشراك الدول الأخرى في اجتماع يسبق الإعلان عن الموعد على شكليته مؤشر على جدية اتجاه عربة الأزمة السورية إلى جنيف، تحت مظلة التفاهم الدولي، وليس امتدادا طبيعيا للاتفاق الروسي ـــ الأميركي، وحده صاحب القرار والمرجعية.
وقال مصدر ديبلوماسي روسي لمعارضين سوريين إن إدارة الأزمة السورية أصبحت جزءا من صفقة أوسع مع الولايات المتحدة. وقال المصدر إن موسكو قدمت للولايات المتحدة سلة عروض متكاملة، تسبق الذهاب إلى جنيف، تشمل تلازم المسارات بين العملية السياسية والحكومة الانتقالية وأفضلية عملية نزع السلاح الكيميائي السوري على ما عداها.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عقب لقائه للمرة الثانية في يوم واحد مع نظيره الأميركي جون كيري، أنهما اتفقا على نص مشروع قرار لمنظمة حظر السلاح الكيميائي حول سوريا، وعلى نص مشروع قرار لمجلس الأمن يدعم القرار الأول. وأشار إلى أن الوثيقة الأخيرة ستعرض على أعضاء مجلس الأمن الدولي خلال ساعات، وأنها لا تتضمن الإشارة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ونافل القول إن «جنيف» يخضع لمسار «الكيميائي» ومتطلباته التقنية والسياسية والزمنية. فمن غير المنتظر أن يقدم المؤتمر على أي تغيير جوهري وواسع في بنى القرار الدمشقي المركزي القوي، وموقع الرئيس بشار الأسد قبل انجاز عملية تصفية الكيميائي السوري. إن بقاء سلطة الرئيس السوري في قضايا الدفاع والأمن بعيدة عن أي مساومة سيخفف من تعقيدات تصفية المخزون الكيميائي، ويضمن تنفيذ العملية، وبقاء الجيش السوري وفيا لسلطة مركزية قادرة على الوفاء بتعهداتها.
وكان الأميركيون قد اشترطوا بلسان وزير الخارجية جون كيري ضرورة انتهاء العملية منتصف العام المقبل كحد أقصى، بالتزامن مع انتهاء ولاية الأسد، للسماح بفتح ملف التفاوض على مستقبله السياسي بمجرد الفراغ من العملية الكيميائية. ومن المؤكد أن الأجندة السياسية لجنيف لا تتوافق مع التعقيدات التقنية لعملية تدمير المخزون الكيميائي السوري وأنها ستخضع لتعديلات تتوافق مع أجندة تدمير المخزون التي ستطول سنوات، بحسب توقعات الخبراء. إن أي حكومة انتقالية، تخرج من جنيف، لن تكون قادرة على تنفيذ العملية من دون وحدانية القرار.
ويقول ديبلوماسي غربي إنه لا ينبغي توقع تحول جنيف إلى عملية تسوية نهائية للصراع السوري المسلح، وان أكثر ما يمكن انتظاره في المدى المنظور هو التوصل إلى وقف لإطلاق النار. ويقول المصدر الديبلوماسي إن احدى الأفكار المتداولة، بعد العجز عن تكوين قوة دولية لفصل المتقاتلين، هي إنشاء قوة سورية مشتركة، تضم إلى الجيش السوري عناصر من «الجيش الحر» تلقت تدريبات في معسكرات أميركية في الأردن. ومن غير المتوقع أن تتجاوز مساحة وقف النار 50 في المئة من جبهات القتال، التي ما تزال وحدات من «الجيش الحر» تسيطر عليها.
ويسود تفاؤل كبير الجانب الروسي بارتفاع احتمالات انعقاد المؤتمر في الموعد المقرر الجديد، نظرا إلى ضيق الخيارات السياسية أمام الشريك الأميركي، الذي يلعب الوقت ضده، مع تهالك ورقة المعارضة «الائتلافية» التي راهن الأميركي عليها. إن تأخر انعقاد المؤتمر ابعد من نهاية تشرين الأول أصبح عاملا مهددا لقدرة الولايات المتحدة على حشد «الإئتلاف» في المفاوضات إزاء النظام السوري والروس، إذا ما تبقى شيء من «الإئتلاف» و«الجيش الحر» في المواجهة الجارية مع تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) وفصائل أخرى. وكلما تأخر جنيف تراجعت القدرة الروسية والأميركية على إجبار النظام السوري على تقديم تنازلات لـ«الجيش الحر» أو «الإئتلاف» الذي يواجه، منذ أسابيع، عملية استنزاف سياسي وعسكري من «داعش».
وفيما يواصل «داعش» هجومه الواسع لاقتلاع «الجيش الحر» من الشمال السوري أعلن 13 فصيلا عسكريا أساسيا، بينهم «جبهة النصرة» و«أحرار الشام وصقورها» و«لواء الإسلام»، طلاقا نهائيا مع «الإئتلاف» و«الجيش الحر» وبرنامجا لبناء دولة إسلامية في سوريا.
وبالإضافة إلى ضمور «الإئتلاف» يواجه الأميركيون مقاومة سعودية في الطريق إلى جنيف، يتقدمها رئيس الاستخبارات السعودية بندر بن سلطان. إذ لا يوجد تفسير آخر لتمرد حليفه قائد «لواء الإسلام» زهران علوش على «الجيش الحر» و«الإئتلاف»، سوى رغبة السعوديين بالتعبير علنا عن استيائهم من التقارب الأميركي مع الروس، وإصرارهم على الحصول على فرصة ثانية لتغيير ميزان القوى العسكري مع النظام، عبر بعض الجماعات «الجهادية» التي تمولها وتقودها الاستخبارات السعودية.
وتنذر المواجهات الجارية بين «الجهاديين» و«الجيش الحر» بانقلاب في ترتيب القوى الأساسية في سوريا، وتغيير اتجاهات جنيف كليا أيضا. إذ يتضح أن تضعضع «الحر» سيضع النظام على رأس القوى المسيطرة في سوريا، ويرفع «الجهاديين» إلى مرتبة الخصم الأول، ويضع أكراد «حزب الإتحاد الديموقراطي» في المرتبة الثالثة، ويهبط «الحر» إلى مرتبة القوة الرابعة وربما الهامشية.
ويطرح ترتيب القوى الجديد أجندة سياسية ثورية على جنيف. إذ سيكون ملحا طرح مهمة مواجهة الإرهاب على المعارضة والنظام معا. وكان بيان مجموعة الثماني الكبار في حزيران الماضي قد طرح بين بنوده ضرورة التوافق بين الخصمين لمواجهة الإرهاب.
وينبغي على أي تغيير في دمشق، بحسب ديبلوماسي أميركي يعمل على الملف السوري ويدير شؤون المعارضة، أن يفضي إلى قيام نظام في دمشق، يمكن التعامل معه لقتال الإرهاب في الشمال السوري. ويبدو بند الإرهاب ضاغطا بقوة على أولويات التغيير السياسي المنتظر من جنيف وشرطا أساسيا لتكوين وعمل أي حكومة انتقالية.
وليس مؤكدا أن تشارك في المؤتمر الكوادر السورية المعارضة التي تلقت في أوسلو، قبل أشهر، تدريبات على أصول التفاوض، ولا مثيلاتها من الكوادر التي تتدرج في صفوف الأمم المتحدة في جنيف للغاية نفسها.
ويقول مصدر سوري معارض إن الأميركيين يصرون على بقاء «الإئتلاف» ممثلا للمعارضة، وان يتم توجيه الدعوات إلى ثلاثة أطراف هي الحكومة السورية و«الإئتلاف» وأطراف أخرى. وتحت هذه التسمية تدخل تشكيلات تضم هيئة التنسيق الوطنية وتيار بناء الدولة ومستقلين وممثلين للمجتمع المدني، والهيئة الكردية العليا، وممثلي بعض الوحدات العسكرية.
ويجري تداول أسماء تحت مظلة «الإئتلاف» تضم وليد البني ورياض سيف. ويدفع الإئتلافيون بلؤي صافي ونجيب الغضبان المحسوبين على «الإخوان». وجرى اقتراح مشاركة احمد الطعمة بصفته «الائتلافية» وليس كرئيس لـ«الحكومة المؤقتة». كما يطرح اسم الرئيس السابق لـ«الائتلاف» معاذ الخطيب، ورئيس «تيار بناء الدولة» لؤي حسين بالإضافة إلى هيثم مناع وعارف دليلة ورجاء الناصر من هيئة التنسيق الوطنية بالإضافة إلى رئيس «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي صالح مسلم محمد.