جنبلاط بين الحريري وعون

تفاعلت مسألة استدعاء المحكمة الخاصة بلبنان الزميلين ابراهيم الأمين وكرمى خياط ومؤسستي «الأخبار» و«تلفزيون الجديد» بتهمة «تحقير المحكمة وعرقلة سير العدالة»، لا بل تحوّلت الى مضبطة اتهام للمحكمة نفسها ومحاولتها، من خلال قرارها الهمايوني المتسرع، منع الإعلام من القيام بوظيفته التي صانها الدستور كما القانون في لبنان.
وإذا كان قرار الاتهام قد استند الى وثائق مسربة من لجنة التحقيق الدولية أو مكتب المدعي العام، فإن الاتهام كان يجب أن يوجه للمدعي العام بتهمة التسريب وليس الى وسائل الإعلام التي نشرت ما تعتبره في صلب واجبها المهني، ولعله من وجهة نظرها، يفيد العدالة بالتدليل على مكامن الخلل في عمل المحكمة نفسها.
وما يثير الريبة أن المحكمة التي ليس لها عصمة امرأة القيصر التي تدّعيها، توجهت بالاتهام الى وسيلتين إعلاميتين لبنانيتين، في حين أنها تجاهلت العديد من التسريبات الأكثر خطورة والموسومة بطابع السرية، والتي نشرتها أو بثتها وسائل إعلامية عربية وأجنبية عدة، لكأنها تعطي ذاتها حقوقاً ليست موجودة في أي نظام يحترم حقوق الإنسان.
ولعل القواعد التي تعتمدها المحكمة في إجراءاتها، وبينها النص على إمكان معاقبة المحامين لا الصحافيين، هدفها الأوحد الإرهاب والترهيب والتخويف ومنع النقاش والتصويب، وفي ذلك محاولة إشهار سيف على كل الحريات الإعلامية والشخصية.
وفي هذا السياق، توجه المحامي رشاد سلامة الى وزير الإعلام رمزي جريج برسالة تمنى فيها عليه تغليب موقعه الدستوري وشخصه كمرجع قانوني ونقابي سابق على هواه السياسي، فيبادر الى الدفاع عن لبنان من خلال الدفاع عن وسائل إعلامه وصحافييه بحيث لا يشكل صمته تواطؤاً مع الإجراءات التعسفية. ودعا سلامة الحكومة الى عدم الاستقالة من أبسط واجباتها الدستورية وبينها مراقبة أعمال المحكمة، وصولا الى تصويب مسارها باعتبارها أمرا واقعا مفروضا.
من جهته، قال المحامي انطوان قرقماز لـ«السفير» إن اللافت للانتباه في قرار المحكمة هو توجيه الاستدعاء الى الإعلاميين والى رؤساء مجالس إدارة الشركتين، وليس الى المدراء المسؤولين تجاه السلطات المعنية، وفي ذلك إشارة الى عدم فهم المحكمة للأصول المتبعة في لبنان. وشدد على أن الاتهامات الموجهة «غير قائمة قانوناً وبالتالي يمكن دحضها».
وحسناً فعل رئيس الجمهورية ميشال سليمان بأن بادر الى اتخاذ موقف جريء ومتقدم بالتضامن مع «الجديد» و«الأخبار»، وكذلك معظم أهل السياسة والإعلام.. وليتحول اللقاء الذي بادرت «السفير» الى الدعوة إليه، بالتنسيق مع الهيئات المعنية ومؤسسات إعلامية، ظهر الاثنين المقبل، في نقابة الصحافة في بيروت، إلى لقاء تضامني كبير، دفاعا عن الحريات الإعلامية ورفضا لمحاولات الترهيب وخنق الصحافيين (ص4).
[ [ [
سياسياً، لم يدخل الاستحقاق الرئاسي مربع التوافق الإلزامي، فيما تستمر المكونات الداخلية الأساسية باستهلاك «الرصيد اللبناني»، إلى أن تسقط عليها «كلمة السر» الإقليمية والدولية، كما جرت العادة، في معظم المواسم الرئاسية منذ الاستقلال حتى الآن.
ويؤشر المناخ السائد على مسافة أيام من موعد جلسة الأربعاء المقبل، الى صعوبة تأمين نصاب الثلثين (86 نائبا) المطلوب لالتئام الجلسة، وبالتالي الى احتمال أن تكرّ سبحة المواعيد الأسبوعية حتى 25 أيار المقبل.
في هذا الوقت، أكد النائب وليد جنبلاط أن لا شيء يوحي بإمكان توافر نصاب الثلثين لانعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد الاربعاء المقبل، خاصة أن التوافق على شخصية معينة لانتخابها لم يحصل بعد.
وأشار جنبلاط الى انه سيقوم بمسعى توفيقي على الخط الرئاسي، على غرار المسعى الذي قام به ونجح في الوصول الى حل للأزمة الحكومية بالوصول الى الاتفاق على تمام سلام كحل وسط.
ووجه جنبلاط عبر «السفير» دعوة الى الرئيس سعد الحريري للعودة الى لبنان «اليوم قبل الغد، لأنه لم يعد هناك ما يبرر الغياب»، وقال: «أنا مع ان يعود (الحريري) ويترأس حكومة جامعة (بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية)، فنوفر بذلك على أنفسنا وعلى البلد الكثير من التأزم والتوتر».
واذ أكد جنبلاط تمسكه بمرشح «جبهة النضال الوطني» النائب هنري حلو، قال ان الأفضل للبلد ولكل الأطراف ان يكون هناك رئيس للجمهورية قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 أيار، لكي نتجنب الفراغ، لافتا الانتباه الى انه مع الاتفاق على رئيس جديد يدير الأزمة بالشكل الذي يزيل التأزم ويساهم في التقريب بين المكونات اللبنانية على اختلافها وكذلك بين القوى السياسية (ص3).
في السياق نفسه، أشارت مصادر كنسية الى ان البطريرك الماروني بشارة الراعي لا يخشى فقط من ان يمر 25 ايار من دون التمكن من انتخاب رئيس للجمهورية، بل من دخول البلاد في فراغ طويل الأمد، وقالت ان الراعي يخشى ان يأتي أحد ويقول ان في الإمكان إدارة البلد من دون المسيحيين.
وأشارت المصادر الى أن الراعي الموجود في روما، الى جانب رئيس الجمهورية ميشال سليمان، تواصل أمس مع الرئيس الحريري، وجدد خلال الاتصال تأكيد مطلبه الدائم بانتخاب رئيس قوي ضمن المهلة الدستورية، وأوضحت ان المقصود بالقوي هو الشخص القادر على جمع اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا.
وتضيف المصادر: «سبق للبطريرك الراعي أن أبلغ الأقطاب الموارنة الاربعة بأن ليس من الضروري ان يأتي أحد منهم الى رئاسة الجمهورية، بل هو مع أن يشكلوا حاضنة ومظلة للرئيس المقبل، على ان تكون مهمته الاولى ان يعيد المسيحيين الى الشراكة الحقيقية في السلطة، لا الشراكة الصورية».

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …