أكد المؤرخ إسحاق نقاش، في كتابه “شيعة العراق”، أن أول من أدخل التسوط أي ضرب الجسد بالسلاسل وشق الرؤوس بالسيوف إلى النجف الأشرف في العام 1919 هو الحاكم البريطاني الذي خدم سابقاً في كرمنشاه ونقل الممارسة إلى العراق عبر الهنود الشيعة بهدف إضعاف الحوزة حينها .
وكشفت بريطانيا عن ذلك في العام 1970 في كتاب “دليل الخليج” لمؤلفه ج. لوريمر .
وإضعاف الحوزة مرده إلى تأثيرها القوي على الشارع ، وبالتالي قدرتها على تقويض الإحتلال البريطاني وإنهائه ، فكان لا بد من إلهائها .
يعد التطبير طقساً مستحدثاً عند الشيعة ، وصلهم من وفود الزوار من الهنود والأتراك الشيعة ممن حملوا معهم هذه الطقوس إلى كربلاء أثناء زيارتهم لضريح الإمام الحسين عليه السلام .
لم تقتصر البدع على ضرب الرأس ، بل تجاوزتها للزحف على الأرض حتى إدماء الوجه .
نقل المفكر علي شريعتي في كتابه “التشيع العلوي والتشيع الصفوي”أن إسماعيل الصفوي حاكم إيران استحدث وزارة خاصةً بالشعائر الحسينية ، وأرسل وزيرها إلى القفقاز (القوقاز) للإطلاع على الشعائر الدينية حيث توجد فرقة مسيحية (من الأرثوذوكس) تقوم بالتطبير إحياءً ليوم يسمونه ( مصائب المسيح ) ففكر أنّ هذا ما يجب أن يفعله الشيعة لإحياء (مصائب أهل البيت عليهم السلام) وبالخصوص (ذكرى عاشوراء) ودرس إمكانية نقل هذا الطقس الى ايران .
أما الشيخ مرتضى المطهري فالتقى مع شريعتي في التحليل وكتب في كتابه { الجذب والدفع في شخصية الإمام علي عليه السلام } إن التطبير والطبل عادات ومراسم جاءتنا من (أرثوذكس القفقاز) – وهم مسيحيون – وسرت في مجتمعنا كالنار في الهشيم .
والقفقاز هي منطقة القوقاز بين أوروبا وآسيا .
نجح الإحتلال البريطاني للعراق في إشغال الحوزة بحروب جانبية حالت دون مكافحة هذه الظاهرة ، إضافةً إلى المناوشات بين الحوزة والعثمانيين ، وتهديد الوهابيين من العام 1902 إلى العام 1922، إذ وصلوا لحدود كربلاء ، مما أدى لتمدد البدع وممارستها .
مع ذلك ، حارب العلماء ظاهرة التطبير ، ففي العام 1920 أصدر المراجع والعلماء أبو الحسن الموسوي الأصفهاني في النجف الأشرف والسيد مهدي القزويني في البصرة والسيد محسن الأمين العاملي فتاوى تحرّم التطبير وإراقة الدماء في مظاهر الحزن على الحسين ، وقد دفع مرجع الطائفة (السيد أبو الحسن الأصفهاني) ثمناً باهضاً لفتواه بتحريم التطبير إذ قام أحد اصحاب مواكب التطبير ودعاته وهو طالب حوزة (المدعو علي القمي) بذبح السيد (حسن) ابن المرجع السيد الأصفهاني (انتقاماً للشعائر) ، ثمّ روّج زعماء و دُعاة التطبير ( بينهم رجال دين من حوزة معروفة) بأن الحادث كان سببه رفض المرجع إعطاء مساعدة مادية للمجرم ( القمي ) وهو ادعاء كاذب هدفه طمس الحقيقة ، فلا أحد يقتل شاباً بريئاً من أجل مساعدة لم يحصل عليها ولكن للتغطية على من قام بدفع هذا ( الشقي ) لارتكاب الجريمة وقطع الطريق على التحقيق واثارة الناس .
أما آية الله السيد (محسن الأمين) فقد تمت مضايقته في كل شارع يمر منه ثم قاموا يوم العاشر من المحرم بتوزيع الماء مجاناً في كربلاء وهم يهتفون ( اشرب الماء والعن الأمين) بدلاً عن ( يزيد ) ، تماماً كما لعنوا المرحوم الشيخ (الدكتور احمد الوائلي) في زمننا هذا .
ولنتذكّر جميعاً أنّ وصية إمامنا الصادق ( عليه السلام ) ما زالت تصدح في أُذُن الزمان وهي تقول :
(كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا) .
حسبنا الله و نعم الوكيل .