بيتونك جنوبي

لعبة “البيتونك” الأفريقية للمتقاعدين في الجنوب
بنت جبيل- داني الأمين
عدد كبير من المغتربين الجنوبيين، الذين حملوا معم ذاكرتهم الى بلاد الاغتراب الأفريقية طيلة فترة اغترابهم الطويلة، عادوا ومعهم عادات جديدة ارتبطوا بها ونشروها في قراهم، حتى باتت اليوم جزءاً من حياة العديد من الجنوبيين. بعضها متعلّق بالزراعة وتحضير الأطعمة والحلويات اضافة الى لعبة ” البيتونك” التي بات لها روادها الكثر في أكثر من قرية وبلدة جنوبية. يتحدث أبو فادي عاشور عن أكثر من ثلاثين سنة عاشها في أفريقيا، وتحديداً في ” السنغال”، ” صحيح أني لم أغير تقاليدي وعاداتي اللبنانية، لكنني نقلت العديد من العادات الأفريقية الى بلدتي شقراء، فباتت أكلات الشيبوتجن والتشوغانار والباستيل والدبي من أكلات أبناء البلدة المعروفة”، ويتحدث حسين عاشور عن ” أكلة زراعة البيساب التي نقلناها الى قريتنا، والتي تستخدم أوراقها في الأطعمة كبديل عن أوراق العنب، اضافة الى نبتة الحرّ الأفريقي الشهيرة”، ويبيّن أنه وأخوه أوّل من نقل لعبة ” البيتونك” الى شقراء. ولا ينفي حسن غريب أن ” اللبنانيون حافظوا على تقاليدهم المختلفة، ونقلوها الى أفريقيا منذ عشرات السنين، حتى أن شعب السنغال، على سبيل المثال، بات يزرع الخضار اللبنانية كالخيار والملوخية، بعد أن كان يعتبرها طعاماً مخصّصاً للحيوانات، اضافة الى عادات الطهارة والبناء الذي بناه اللبنانيون لهم وبات جزءاً من حضارتهم” ويقول حسين عاشور ” لقد زرعنا أشجار التين والعنب اضافة الى الملوخية والبطيخ وغيره، حتى تعلّم العمال الأفارقة هذا النوع من الزراعة وبدأوا بزراعته هناك”.
وتبرز لعبة ” البيتونك” اليوم في العديد من القرى الجنوبية كواحدة من أكثر اللعب انتشاراً، عند كبار السن القادمين من أفريقيا، واللاّفت زيادة عدد هواتها من أبناء هذه القرى من غير المغتربين. وهي لعبة جديدة نسبياً في المنطقة غزت القصور والمنازل الجنوبية الاغترابية، وباتت الأكثر انتشاراً لتمضية أوقات الفراغ القاتلة، عند كبار السن من المغتربين العائدين من أفريقيا، الذين نقلوا معهم من أفريقيا الى قراهم، بعد أن قرروا العودة الى الوطن في هجرة طويلة مكنتهم من جمع الثروة والمال، وباتت تجمع هؤلاء من جديد بعد أن جمعتهم في عالم الاغتراب، ولكن في حقولهم التي بدّّلوها بتبدل أحوالهم، لتتحول الى حدائق كانت أبعد من أحلامهم. هي لعبة ” البيتونك” الفرنسية الأصل، المنتشرة في الدول الأفريقية، خاصة السنغال. تعلّمها اللبنانيون الجنوبيون أثناء فترة اغترابهم، فكانت تجمعهم في أوقات فراغهم، وهي أشبه بلعبة ” البيلياردو”، ولكن ملعبها أرض رملية بطول عشرة أمتار وعرض حوالي خمسة أمتار. ينقسم فيها اللاّعبون الى فريقين، كل فريق مؤلف من لاعبين أو ثلاثة، يحمل كل منهم كرتين حديديتين صغيرتين، تزن كل واحدة 690غ، ويبلغ قطرها 675 سم. وتوضع كرة صغيرة حمراء في وسط الملعب، ليعمد كل لاعب الى رمي الكرة باتجاه الكرة الحمراء، ليفوز الفريق الذي يستطيع ايصال العدد الأكبر من الكرات الى أقرب مسافة من الكرة الحمراء، مع حق كل لاعب ابعاد كرة خصمه أثناء رميه للكرة. يقول حسين عاشور، ابن بلدة شقرا (قضاء بنت جبيل), ” تعلمنا هذه اللعبة في السنغال، وانتقلنا بها الى لبنان، وهي لعبة مسلّية تجمع الأصحاب الذين كانوا في افريقيا، فأحياناً نجتمع بالعشرات، وهي تذكرنا بأفريقيا التي أمضينا أكثر وقتنا فيها، وقد بدأ يتعلمها الجيل الجديد في البلدة، فالعديد من شبان البلدة يلعبون معنا بشكل يومي، وهي لعبة رياضية مفيدة، خاصة في ظل عدم توفر الألعاب الخاصة بالكبار”، ويلفت الى أن ” العديد من قوات اليونيفل من الفرنسيين والايطاليين، العاملين في الجنوب اللبناني، باتوا يشاركوننا هذه اللعبة ويأتون الى هنا للعب معنا، فنكون قد نقلنا هذه اللعبة اليهم بعد أن نقلوها الى أفريقيا”.
أما محمد عبدالله صالح الذي أمضى 56 عاماً في السنغال فيقول” أكسبتنا الغربة عادات وتقاليد جديدة، وجعلتنا أكثر انسجاماً مع بعضنا البعض، وهذه اللعبة تذكرنا بحياتنا هناك وتجمع شملنا، وتبعدنا عن مشكلات الوطن والنقاشات السياسية. وهي منتشرة الأن في عدة قرى جنوبية، سيما بلدات قانا وشقرا والعباسية.”. في قانا كما في شقرا والعباسية وجويا، أصبحت اللعبة تجمع المغتربين وغير المغتربين معاً، حتى أن البعض أنشأوا ملاعب صغيرة مستخدمين كرات مشابهة للكرات النادرة التي تستخدم في اللعبة، كما يقول حسن بدر الدين، ابن بلدة قانا، ” فهذه الكرات الحديدية يأتي بها المغتربون من أفريقيا، ولا يوجد من يصنعها هنا”. ولم يكتف المغتربون بنقل هذه اللعبة الى منازلهم، بل ” هناك الكثير من العادات والمأكولات انتقلت معنا الى بيوتنا”، يقول حسين بدر الدين، ويبيّن “داخل منزلي تنتشر المنحوتات الافريقية، وبعض الأثاث والثياب الخاصة بالعبيد، وما زلنا نأكل بعض الطعام الأفريقي، مثل أكلة “الشيبوتجن”، التي تطبخ بعد سلق البطاطا الحلوة والجزر والملفوف والدجاج والحرّ الأفريقي، اضافة الى الأرز المسلوق”.
آلاف الجنوبيين المهاجرين الى أفريقيا الذين حققوا نجاحات باهرة في عالم المال وجمع الثروات، زينوا بلداتهم بالقصور الفخمة، وساهموا في تعليم أولادهم وتنمية بلداتهم، فعلى سبيل المثال، يوجد حالياً أكثر من 1000 مغترب من بلدة شقرا في “السنغال” التي ينتشر فيها الأن أكثر من 25 الف لبناني، بعد أن كان هذا العدد أكثر بكثير، اذ وصل في السبعينات الى نحو 250 ألف لبناني من بينهم نحو 4000 نسمة من بلدة شقرا وحدها، كما يقول المغترب السابق في السنغال حسن غريب.

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …