تصريح يطاول سماحة المرجع فضل الله(رض) والمؤسّسة تردّ
التاريخ: ١١/١/٢٠١٤ / 10 ربيع الأوّل 1435هـ
تصريح مشبوه..
وردت إلى مؤسَّسة العلامة المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله(رض) تساؤل مفاده:
يُتداول بين الجالية المسلمة، والعراقيّة بالتّحديد، تصريح وضيع أدلى به “الأمير تركي بن بندر” في باريس لإحدى الوكالات الصحفيّة، ولم نسمع منكم ولا من تلفزيون الإيمان أيّ تكذيب أو ردّ، ولا كذلك في الجريدة، ونحن في أشدّ الألم والأسى من الوضعيّة الّتي وصل إليها المسلمون. فأرجو أن ترسلوا جوابكم عن هذا الكلام، حيث ادّعى هذا الأمير أنّه “عندما كان في جهاز المخابرات السعوديّ، سلّم رجل دين شيعيّاً من لبنان [يقصد المرجع فضل الله(رض)]، “وهو من أبرز عملاء المخابرات السعوديّة”، مبلغ 7 مليون دولار، مع فتح قناة فضائيّة له ومطبعة وجريدة وإذاعة، وسلّمه قائمة بشروط مدير الجهاز، وطلب منه تنفيذها مقابل هذا المال والدّعم، خلال فترات زمنيّة متفاوتة، منها أن يقول إنّ زوّار الحُسين “كلاب”، وإنّ عمر بن الخطاب بريء من حادثة قتل فاطمة الزّهراء، وإنّ الشّعائر الحُسينيّة بدعة أتت من الفرس والهند، وإنّ أسباب نزول الآية الشَّريفة: {ولَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ}، نزلت بحقّ عليّ بن أبي طالب، مع رفع عبارة “أشهدُ أنّ عليّاً وليّ الله” من الأذان.
وتابع هذا الأمير ادّعاءاته الكاذبة بحقّ المرجع فضل الله(رض)، حيث قال إنّه “استلم المبلغ واستلم قناة فضائيّة كاملة مع إذاعة ومطبعة حديثة ومقرّاً لجريدة كاملاً مؤثّثاً”، وذكر أنّه أصبح مرجعاً معروفاً في الإعلام فقط، وشيعة العراق لا يعرفونه”.
ردّ مؤسّسة المرجع فضل الله(رض)..
وقد أجابت المؤسّسة عن هذا التساؤل ببيانٍ قالت فيه:
“إنّنا نرى أنّ هذا الكلام هو أسخف من أن يُردّ عليه شكلاً ومضموناً، لأكثر من سبب، ولكن بما أنّه قد وردنا أسئلة كثيرة تسأل عن هذا الموضوع، فيهمّنا تبيان النّقاط التالية:
أوّلاً: إنّ البيان صادر (أو يُنسب) عمّن تحدّثت وسائل الإعلام، وخصوصاً الأميركيّة، من “الواشنطن بوست” وغيرها، عن دور له في محاولة اغتيال سماحة السيّد(رض) في مجزرة بئر العبد في الثّامن من آذار العام 1985، وبالتّالي، فمن الطبيعيّ أنّ من كانت له مصلحة في اغتيال سماحة السيّد(رض) جسديّاً، أن تكون له مصلحة في اغتياله معنويّاً.
ثانياً: إنّ ما يتّصل ببعض علامات الاستفهام الّتي أثارها سماحة السيّد(رض) في مسألة الاعتداء على الزّهراء(ع)، لم يكن هو الوحيد من علماء المسلمين الشّيعة الّذي أثارها، فسماحة الشّيح محمد حسين آل كاشف الغطاء(رض) قال في كتابه “جنّة المأوى”: “أما حادثة ضرب الزّهراء ولطم خدّها وإسقاط جنينها، فهي مما لا يقبله عقلي ولا ضميري ولا وجداني…”، فهل كان سماحة الشّيخ آل كاشف الغطاء يتلقّى أموالاً من المملكة العربيّة السّعوديّة ليقول ذلك؟! وهناك الكثير من الآراء الشيعيّة الّتي تنسجم معه من العلماء، أمثال المحقّق السيّد هاشم معروف الحسني(رض)، والشيخ محمد جواد مغنيّة(رض)، وحتى الشيخ المفيد(رض)، والسيّد عبد الحسين شرف الدّين(رض)، وغيرهم…
وهذا موجز عن رأي سماحته(رض) في مسألة ظُلامات السيّدة الزّهراء(ع):
لقد روى الظّلامات الواقعة على مولاتنا الزَّهراء(ع) علماء السنّة والشّيعة، ولا نجازف إذا قلنا إنّ الرّوايات الّتي تتحدّث عن مظلوميّتها متضافرة ومستفيضة، بل تكاد تكون متواترة، وهي أمور لا ننكرها، كما أنّنا لا نريد تبرئة فاعليها، ولا سيّما مظلوميّتها في حرمانها من ميراثها في فدك، وإنكار حقّ زوجها أمير المؤمنين عليّ(ع) بالخلافة، غير أنّ ثمة بعض الحوادث الّتي تعرّضت لها، لم تتأكّد لنا بشكل قاطع وجازم، كما في مسألة حرق الدّار فعلاً، وكسر الضّلع، وإسقاط الجنين، ولطم خدّها وضربها، ونحو ذلك مما نقل إلينا من خلال روايات يمكن طرح بعض علامات الاستفهام حولها من ناحية السّند أو من ناحية المتن، ولا سيّما أنّه لا يعقل أن لا يدافع الإمام عليّ(ع) عن زوجته الّتي هي وديعة رسول الله(ص)، والبضعة الحبيبة إليه، المعصومة في موقعها، ممن يريد إيذاءها والاعتداء عليها بالقتل أو الضّرب، وخصوصاً أنّ البيت مملوء ببعض الهاشميين أيضاً، والدفاع عنها من مسؤوليّتهم الشرعيّة، وأمّا الحديث بأنّه موصى من قِبل النبيّ(ص) أن لا يستخدم العنف ضدّ الآخرين بعد وفاة النبيّ(ص)، ولذلك ترك الدّفاع عن الزّهراء(ع) ضدّ المعتدين عليها، فهو كلام سخيف، لأنّه لا يُعقل أن يوصيه النبيّ(ص) بأن لا يدافع عن ابنته وبضعته الزّهراء العزيزة عنده، إذ لا يُقبل ذلك من أيّ إنسان يحترم نفسه وعائلته، والجميع يعرف أنّ الدّفاع عن الزّوجة، ولا سيّما إذا كانت في مستوى سيّدة النّساء، لا يؤدّي إلى الفتنة في المجتمع الإسلاميّ، لأنّهم يرون أنّ ذلك حقّ إنسانيّ شرعيّ طبيعيّ.
وهو الأمر الّذي يشاركنا فيه بعض علمائنا السّابقين(رضوان الله عليهم)، كالشيخ المفيد(ره)، الّذي يظهر منه التّشكيك في مسألة إسقاط الجنين، بل في أصل وجوده، في كتابه “الإرشاد”، وإن كنّا لا نوافقه على الثّاني، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (ره)، الّذي أكّد عدم حدوث ضربها ولطم خدّها في كتابه (جنّة المأوى)، وإن كنّا لا نوافقه أيضاً على الجزم بالنّفي، لأنّ النّفي يحتاج إلى دليل، كما أنّ الإثبات يحتاج إلى دليل، وكذا السيّد محسن الأمين في كتابه (أعيان الشّيعة)، ولكنّ القدر المتيقّن من خلال الروايات المستفيضة، بل المتواترة تواتراً إجماليّاً، هو الاعتداء عليها، من خلال كشف دارها والهجوم عليه والتّهديد بإحراقه، وهذا كاف للتّدليل على حجم الجريمة الّتي حصلت.
وقد نقل في البحار في كلام أمير المؤمنين(ع) مع أبي بكر وعمر: “… وأما فاطمة، فهي المرأة الّتي استأذنت لكما عليها، فقد رأيتما ما كان من كلامها لكما، والله لقد أوصتني أن لا تحضرا جنازتها ولا الصّلاة عليها، وما كنت الّذي أخالف أمرها ووصيّتها إليّ فيكما، فقال عمر: دع عنك هذه الهمهمة، أنا أمضي إلى المقابر فأنبشها حتّى أصلّي عليها، فقال له عليّ(ع): والله لو ذهبت تروم من ذلك شيئاً، وعلمت أنّك لا تصل إلى ذلك، حتّى يندر الّذي فيه عيناك، فإني كنت أعاملك بالسّيف قبل أن تصل إلى شيء من ذلك”. فمن يقول هذا الكلام، ويستعدّ لضرب عنق عمر إن حاول نبش قبر الزّهراء(ع)، فهل لا يمكنه أن يدافع عنها وهي على قيد الحياة؟! وأمّا حكاية أنّه يوجد وصيّة من النبيّ(ص)، فهذا أمر غير موجود، ولا يعقل أن يقول النبيّ(ص) لعليّ(ع) أنّه إذا رأيت الزّهراء(ع) تُضرب، فلا تدافع عنها، وهي بضعة النبيّ(ص) ووديعته عند عليّ(ع).
ثالثاً: إنّ سماحة السيّد(رض) كان يعكف على زيارة الإمام الحسين(ع)، ويحثّ المؤمنين عليها قولاً وفعلاً.. وهذا شعره أمام المرقد الحسيني:
هنا يقف الخاطر الملهم ويسكن فيه ويستسلم
يفيض على الكون من روحه حناناً إذا راح يسترحم
إلى أن يقول..
وقد وقفت حوله النّائحات فهذي تضجّ وذي تلطم
فتحسبه كعبة المسلمين وكلّ فتـى فيهم المحـرمُ
فهل يعقل أن يصف سماحته(رض) زوّار الحسين(ع) بـ”الكلاب”.. ولكن سماحته(رض) كان يعبّر دائماً عن رفضه لظاهرة الزّحف على البطون أمام مراقد الأئمّة(ع)، وعن بعض العادات المماثلة، حيث كان يرى أنّها لا تنسجم مع خطّ أهل البيت(ع)، ولا يليق بمن يسير على نهجهم(ع).
وهذا جواب لسماحته(رض) عن سؤال شبيه توجّه إليه:
إنّ عبق الإيمان الّذي يفوح من هؤلاء الزائرين المحبّين لأهل البيت وسيّد الشهداء (صلوات الله عليهم أجمعين)، هو محلّ تقدير وإكبار عند الله تعالى، ومدعاة لعظيم الأجر، لكنّا قد انتقدنا في بعض أحاديثنا، من يشبّهون أنفسهم بالكلاب، مما نقله إلينا بعض الثّقاة حين دخولهم المقام المطهّر، اعتقاداً منهم أنّ ذلك يرضي الله تعالى ويؤكّد زيادة الولاء، وذلك لأنّ الشّرائع المطهّرة وجهاد الأنبياء والأوصياء وتضحياتهم، لم تكن إلا من أجل إعزاز المؤمن وتكريمه، فهل يرضى الله تعالى ويرضيهم(ع)، أن يذل أتباعهم أنفسهم بهذا النّحو؟! قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا}.
رابعاً: وأمّا الزّعم بأنّ سماحته(رض) كان يقول بأنّ آية {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ} نزلت في عليّ(ع)، فهي مما يُضحك الثّكلى، وهذا من الافتراءات على سماحته(رض)، وهو غير صحيح أبداً، بل إنَّ سماحته(رض) ردّ على تلك الرّواية في موضعين في كتابه “تفسير من وحي القرآن”، والجماعة يكذبون من دون خوف من الله، وقد علّق سماحته(رض) على هذه الرّواية بقوله: “حدّث العاقل بما لا يليق، فإن لاق له فلا عقل له”، وهذا تفسير “من وحي القرآن” بين أيدي الجميع، ويمكنهم الاطّلاع على رأي سماحة السيّد الحاسم في هذا الموضوع.
خامساً: أمّا الشّهادة لعليّ(ع) في الأذان، فلا يختلف موقف السيّد(رض) عن آراء كبار علماء المسلمين الشّيعة الّذين قالوا بأنّها من حقائق الإيمان، ولكنّها ليست من فصول الأذان.
ورأي سماحة السيّد(رض) في الشّهادة الثّالثة:
الشّهادة لمولانا أمير المؤمنين(ع) بالولاية هي من العقائد الحقّة، لكن لم يرد ذكرها في فصول الأذان والإقامة في النّصوص الواردة عن النبيّ(ص) وآله الأطهار(ع)، كما أنّه لم يرد ذكرها في كتب قدامى الفقهاء، بل ورد عند بعضهم، كالشّيخ الصّدوق(ره)، النّهي عن قولها في الأذان والإقامة، لأنها من صنع الغلاة والمفوّضة حسب كلامه، والشّهيد الثّاني(ره) في اللّمعة، أنها من حقائق الإيمان لا من فصول الأذان، وقد بقي على هذا النّحو على مدى القرون إلى ما قبل ثلاثة أو أربعة قرون، حين ذكر بعض العلماء أنّه يُستحسن ذكرها فيهما من باب الاستحباب المطلق، وليس من باب أنّهما مطلوبان في أصل التّشريع، فوافقه على ذلك بعض العلماء، وصارت تشيع بينهم وفي النّاس، وذلك على الرّغم من أنّ ما استندوا إليه في ذلك موضع نقاش فقهيّ كبير، لأنّ الأذان والإقامة ونحوهما، من الأذكار المنصوص عليها بكيفيّة خاصّة، لا يمكننا تغييرها عمّا هي عليه، لا زيادةً ولا نقصاناً، رغم كون ما سيزاد عليها ذكراً مثلها، فمثلاً: هل يمكننا جعل صلاة الصّبح ثلاث ركعات، أو هل يمكننا قراءة الفاتحة في الرّكعة الواحدة أكثر من مرّة، أو هل يمكننا أن نضيف التشهّد الأوسط بعد كلّ ركعة، أو هل يمكننا جعل الشّهادة لله بالوحدانيّة في الأذان والإقامة ثلاث مرّات أو خمس مرّات بدل المرّتين؟! وعلى هذا الأساس، رفضنا إضافة (الشّهادة الثالثة)، رغم اعتقادنا الجازم بإمامة عليّ(ع)، وكونه الوصيّ المنصوص عليه من النبيّ(ص) بالخلافة والوصاية والإمامة بعده دون فصل، وبأنّ من نازعه في ذلك هو غاصب لحقّه عمداً وظلماً وإصراراً على مخالفة ما يعلمه من وصيّة النبيّ(ص) حقّاً جزماً.
ومحصّل ذلك كلّه، أنّ الشّهادة الثّالثة هي ليست واجبة ولا مستحبّة في الأذان والإقامة، وعلى من يرغب بقولها تأكيداً منه لعقائده الحقّة، فليقلها بعد انتهاء الصّلاة في زيارته للنبيّ محمّد(ص) وآله الأطهار.
سادساً: ومن نافل القول، إنّ سماحة السيّد(رض) هو ممن ثبتت أهليّته للتّقليد، وظهرت مرجعيّته وفقاهته، من خلال شهادة أهل الخبرة، وانتشار تقليده بين المؤمنين في أقطار الأرض، واستمراره على تدريس الخارج بما يزيد على الثّلاثين سنة، وصدور الأبحاث الفقهيّة الاستدلاليّة له بما يزيد على العشرة مؤلّفات، مما ليس موجوداً عند غيره ممن يقلّدهم النّاس، وهذا كلّه مما يحصل اليقين باجتهاده العالي المميّز، وفقاهته الفذّة، وإنّ تاريخه العلميّ الجهاديّ العباديّ التقوائيّ والثقافيّ الاجتماعيّ والتوجيهيّ والإرشاديّ، مما يدلّل على مرجعيّته الرّشيدة الرّائدة.
سابعاً: إنّ الجميع يعرفون أنّ فضائية “الإيمان” التابعة لمؤسّسات سماحته، انطلقت بعد وفاة سماحة السيّد(رض) وليس في حياته، كما أنّ الجميع يعرف أنّ مؤسّسات سماحة السيّد(رض) كلّها، لم تتلقّ قرشاً واحداً من أيّة دولة، لا بل أكثر من ذلك، فإنّ هناك شهوداً على رفض سماحته لعروض قدّمت إليه بعشرات الملايين من الدّولارات، وقوله لمن عرض عليه: “أنا لا أفعل شيئاً في السّرّ أستحي منه في العلن”.
وعلى كلّ حال، فإنّ سيرة سماحة السيّد(رض)، وبناءه لكلّ هذه المؤسّسات بجهده وجهاده من دون الاستعانة بأحد، وبتأييد الله سبحانه وتعالى، تمثّل قمّة التحدّي لكلّ المدّعين، وكلّ من سعى ويسعى للتّشويش والتّشويه، وكما قال الشّاعر:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
المكتب الشّرعي في مؤسَّسة المرجع فضل الله(رض)