حميّد وبزّي وفضل الله: المعادلة الثلاثية لبنت جبـيل
منذ دورة عام 1992 النيابية، لم تخذل بنت جبيل حزب الله وحركة أمل في «صندوق المقاومة والتنمية والتحرير». الثنائي الشيعي ردّ الجميل بتثبيت ثلاثة من أشهر أركانه، ممثلين لهم
آمال خليل
خلال جولة في بنت جبيل قبل انتخابات عام 2005، سئل المرشح أنور ياسين إن كان باستطاعته، في حال انتخبه الأهالي، أن يصرّف موسمهم من التبغ وزيت الزيتون؟ حاول الأسير المحرر أن يقنع السائل بأن دوره كنائب هو التشريع وسن القوانين ومراقبة تطبيقها وأن «المواطن الذي هزم إسرائيل يجب أن يختار ممثله بإرادة حرة من دون أن يبتز أو يشترى بخدمة أو وظيفة».
معادلة «ربط الأرزاق بالأصوات»، لم تكن الحاجز الوحيد أمام ياسين الذي ترشح عن القضاء مع الحزب الشيوعي ضد الثنائي الشيعي. قيل إن «التصويت له حرام، طالما أن السيد حسن (نصر الله) طلب منا انتخاب مرشحي الحزب وأمل فقط». فيما نصحه آخرون بـ«الانسحاب من معركة محسومة النتائج». وبرغم أن ياسين أمضى 17 عاماً في السجون الإسرائيلية، إلا أنه كاد يتحول، بسبب ترشحه، إلى «عميل»، وقوبل، في لقاءاته الانتخابية، بالاستهجان لأنه ترشح ضد الحزب الذي حرره. وفي النتيجة، لم يمنحه أهل المقاومة والتحرير أكثر من 19 ألف صوت، أي بفارق أكثر من مئة ألف صوت عن مرشحي الحزب وأمل.
أعضاء اللائحة التي ترشح ضدها ياسين، فازوا بشبه تزكية سمحت بإعادة تسميتهم لدورة عام 2009. أيوب حميد وعلي بزي (أمل) وحسن فضل الله (حزب الله)، ثلاثي نواب بنت جبيل منذ ثماني سنوات. قضاء يحسد على تمثيله بأبرز نواب الثنائي الشيعي. مع ذلك، يطالب البعض بنواب ذوي سياسة أقل وشعبية أكبر.
بين تقاطع صف الهوا وعين إبل، اتخذ فضل الله مقراً بدلاً من مكتبه السابق في وسط بنت جبيل الذي شغله منذ انتخابه للمرة الأولى عام 2005. لا يهم إن ابتعد عن قلب عاصمة القضاء، للتقرب من بلداتها، ولا سيما المسيحية منها. يداوم في «الويك إند» لأن معظم أبناء المنطقة مثله، يزورون بلداتهم في العطل بعدما نزحوا منها بسبب الاحتلال وضيق فرص العيش. لذا، فإنه يخصص باقي أيام الأسبوع لهؤلاء وللجنوبيين المقيمين في بيروت. إذ يستقبلهم في مكتبه في البرلمان وفي مقر كتلة الوفاء للمقاومة. أما هاتفه الخاص الذي لا يهدأ فهو «المكتب النقال الذي لا يقفل أبوابه». يكفيه إلقاء نظرة من نافذة مكتبه المشرف على محيط المدينة ومسقط رأسه عيناتا حتى مارون الرأس ويارون الحدوديتين، ليشاهد أنه ساهم في إنماء المنطقة. إعادة إعمار سوق بنت جبيل وافتتاح مبنى جديد للسرايا الحكومية وتعبيد معظم الطرقات الرئيسية بين البلدات وافتتاح خط جديد لضخ المياه إلى بنت جبيل لمعالجة أزمة المياه وتجهيز مركز للدفاع المدني ومعالجة الحالات الطارئة في تلة برعشيت وإنشاء ناد ترفيهي واجتماعي للمسنّين ومسرح في كونين … كل هذا وأكثر «لكن من دون أي منّة». يدرك فضل الله أن ما يقوم به كممثل عن الحزب في أرض المقاومة «أقل واجب تجاه الذين صمدوا في قراهم وحموا المقاومة». لا يكترث للانتقادات التي تكال ضده. «لا أركّز على تلبية الخدمات الخاصة كتأمين واسطة لوظيفة ما أو تسهيل لمصلحة فردية». كتلته النيابية حاسمة في قرارها بعدم تخطي شروط النزاهة والنظافة والكفاءة في الوظائف الرسمية والأجهزة الأمنية والخدمات على أنواعها. لكن انعكاس هذه السياسة بين الناس أن النائب «لا يخدم إلا جماعته».
على بعد أمتار قليلة يقع مكتب بزي. النائب الذي استرد حصة مدينة بنت جبيل في البرلمان في انتخابات ما بعد التحرير، منذ وفاة عبد اللطيف بيضون عام 1984. لم نصعد للوصول إلى «الحاج المهضوم والأكثر شعبية» كما يوصف، بل نزلنا إلى طبقة سفلية تحت الأرض في مبنى صغير لا يرفع لافتة تعلن عن وجود مكتب لبزي. يشغل واجهته الأمامية متجر للألبسة. الطبقة السفلية تشغلها قيادة أمل في المنطقة. ولأن بزي قيادي سابق فيها، منح غرفة صغيرة تضيق بالمراجعين. «ما حدا بيطلع زعلان من عند الدكتور علي الذي لا يخيّب أمل أحد»، انطباع يؤكده أحد مساعديه. ما إن تطرح عليه المراجعة، حتى يتناول هاتفه ويجري اتصالاً فورياً بالجهة المعنية. الخدمة السريعة والمزاح أسلوب التعاطي الشعبي لبزي، وانتماؤه لأسرة متواضعة كادحة، يعكس ارتياحاً لدى مراجعيه وإن أدركوا أنه لن يتمكن من تلبية كل طلباتهم. يملك بزي مهارة في إقناع وكسب الناس الذين يحصرون دور النائب بالخدمات والواجبات الاجتماعية. فقد شغل رئاسة قسم التوظيف لـ 12 ولاية أميركية في وزارة العمل أثناء إقامته في الولايات المتحدة الأميركية، وعمل في قسم الخدمات الاجتماعية قبل أن يتولى منصب المسؤول التنظيمي لأمل في الولايات المتحدة. وهو ما رفع أسهمه لدى الرئيس نبيه بري الذي دعاه هاتفياً للعودة إلى لبنان لكي «يعمل نائب». ولأن أهالي المنطقة لن تكفيهم سيرة بزي الشخصية في لبنان والمهجر، وصولاً إلى دوره في لجنة التواصل النيابية لإقرار قانون للانتخابات، استثمر بزي قربه من بري لتحصيل مشاريع وخدمات عدة من الوزارات: تشييد وتجهيز مستشفى وافتتاح شعبة لكلية العلوم في الجامعة اللبنانية في بنت جبيل وإنشاء شبكة اتصالات في الطيري ومدارس رسمية في بلدات عدة … لكن بزي، أيضاً، «شاطر بالتوظيف وتلبية الخدمات الفردية» بحسب الكثيرين. ولأن عدداً كبيراً من ناخبيه مهاجرون إلى دول أميركا الشمالية واللاتينية، فإنه يخصص لهم جولات تفقدية وانتخابية أيضاً بين الحين والآخر.
لم يكن هيناً الاستحصال على موعد من حميد، عميد زميليه في بلدته بيت ليف التي يقصدها كلما سنحت الظروف. اعتذر مرات عدة بسبب انشغاله في بيروت حتى أعفانا من إجراء مقابلة معه «لأني أعمل وأخدم بصمت». في مسقط رأسه، رافقنا طيفه من مدخل البلدة. «الوادي الأخضر» الذي أعلن محمية طبيعية بقرار لجنة الزراعة التي يرأسها، يحمل اسم شقيقه الشهيد عبد الله. المستشفى الذي أنجز تشييده مجلس الجنوب عام 2007 ولم يشغّل حتى الآن، يحمل اسم الشهيد أيضاً. يقرّ معظم الأهالي بضيافة حميد الذي يفتح منزل والديه لاستقبال الناس ويشارك في المناسبات الاجتماعية ويعرف الصغير والكبير منهم. ظننّا أن بيت ليف ستحظى بحصة دعم أكبر لأن فيها نائباً تولى وزارات حيوية عدة في التسعينيات. لكن الظلام كان دامساً في البلدة. لا مولدات خاصة في ظل تقنين قاس، علماً بأن قطر قدمت للبلدية السابقة ثلاثة مولدات، لكنها «طارت» بحسب ما يهمس البعض. ويشير هؤلاء إلى عدم توافر مقر خاص بالبلدية أو ملعب أو بئر ارتوازية. في المقابل، ساهم حميد في إنشاء بركة للري كلفت ملايين الدولارات بتمويل من الاتحاد الأوروبي. لكنها لا تستخدم حالياً بسبب بعدها عن الأراضي الزراعية.
يتفوق «الثلاثي الذهبي» على المنابر وفي المطابخ السياسية، ويجدّ في محاولاته الخدماتية، لكنها محاولات لا تكفي أهل الحرمان المنسيين، ولا سيما في قرى القضاء المسيحية.
المصدر: صحيفة الأخبار