للمرة الأولى، تغيب المقاومة اليوم عن طاولة «اختُرعت» لمناقشة استراتيجيتها الدفاعية. الغياب ليس هرباً من النقاش، ولكنه مؤقت في انتظار الرئيس الجديد. أسف الرئيس ميشال سليمان لغياب «بعض اركان» الهيئة، آملاً ان «ينضموا في الجلسات اللاحقة الى مركب الوحدة الوطنية». لن تكون «الجلسات اللاحقة»، بالضرورة، برئاسة سليمان، بعدما طوى حزب الله عهده… الى غير رجعة
وفيق قانصوه
منذ أكثر من عشرة أيام، عُمّم على وزراء حزب الله ونوّابه وقيادييه بعدم إعطاء أي موقف من دعوة الرئيس ميشال سليمان الى طاولة الحوار اليوم. الجميع كان في انتظار خطاب الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في عيناتا أول من أمس. لم يعط السيد موقفاً نهائياً وحاسماً. أوحى بعدم المشاركة. أغلق الباب، قبل أن يقفله بالمفتاح رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أمس. أعفى السيد حلفاءه من الإحراج. يدرك أن للعماد ميشال عون حسابات رئاسية، وأن الرئيس نبيه برّي، صاحب «براءة اختراع الحوار»، لا يمكنه التغيّب بحكم موقعه رئيساً لمجلس النوّاب. ليس معروفاً عن نصرالله الرغبة في فتح السجالات أو إعادة فتحها خصوصاً في الشأن الداخلي. لا يضيق صدره بالانتقادات. هو نفسه، في خطابه الأخير، دعا اللبنانيين الى «أن يهدأوا وأن يأخذوا نفساً». لكنه أعاد، بعد شهر، التذكير بخطاب «الذهب والخشب» السليماني. هل من تناقض؟
أبداً. «الميل الى التهدئة وحلّ العقد كان دائماً هاجس حزب الله»، تقول مصادر قريبة منه، بدءاً من تسمية الرئيس تمّام سلام لرئاسة الحكومة، مروراً بالتراجع عن معادلة 9ـــ9ــــ6، وصولاً الى عدم التشدّد في الصياغات في ما يتعلق بالبيان الوزاري. لكن الرئيس ذهب بعيداً. الحديث عن «معادلة خشبية» لم يكن انتقاداً، بل إساءة أثارت انزعاجاً شديداً. عبّر السيد عن ذلك بوضوح: «كل طعن بالمقاومة أو توصيف مسيء لها هو طعن وإساءة إلى كل من هو وما هو مقاومة. وهذا التوصيف له منا تبعات ستظهر خلال أيام»… وهي تبعات ظهرت أمس.
بعد خطاب «الذهب والخشب»، كان الرئيس برّي يخوض مساعي حثيثة لترتيب الأمر، إذ لا يمكن أحداً، في المطلق، أن يرفض دعوة الى الحوار. أُعطيت هذه المساعي فرصة. لكن رئيس الجمهورية زاد الطين بلّة. «عماها بدل أن يكحّلها» عندما اعتبر أن «الذهاب إلى القتال في سوريا كسر ضلع المقاومة في المعادلة الثلاثية». أثناء «مفاوضات» البيان الوزاري، كان الجميع يسعى الى التهدئة، فيما رفع الرئيس راية «إعلان بعبدا». اكتفى سليمان بتوجيه الدعوة من دون توفير المناخات الملائمة. كل ذلك راكم الالتباس في العلاقة بين الرئيس الذي بدا وكأنه يسدّد فواتير للخارج، وبين الحزب، من قيادته الى قواعده الشعبية. لم يعد مفيداً أن يقول سليمان، كعادته، موقفاً في العلن ويحاول توضيحه في السرّ. في ضوء ذلك كله، بدت دعوته الى الحوار وكأنها محاولة للاتيان بحزب الله مخفوراً الى الطاولة.
التئام طاولة الحوار، بالتأكيد، من مصلحة رئيس الجمهورية. هي فرصة لاعادة وصل القنوات التي انقطعت بينه وبين حزب الله. قد يكون فيها، أيضاً، بصيص أمل في التعويم، تمهيداً، ربما، للتمديد، على رغم إدراك سليمان ان صعوبة ذلك تكاد تلامس الاستحالة.
لماذا، إذاً، يبدو الرئيس وكأنه يقول للحزب: «تعا ولا تجي»؟ أي حوار يبحث في استراتيجية دفاعية في غياب «ام الصبي»؟ ومن لم يدرك بعد ان حزب الله بات لاعباً اقليمياً لا يمكن رئيس جمهورية أن يحكم، ناهيك عن أن يمدّد لنفسه، في ظل الخلاف معه؟ وهل من قطبة مخفيّة؟
فتّش عن التمديد. هذا هو صلب مشكلة بعبدا مع حارة حريك. فقد «ساكن قصر بعبدا» أعصابه مذ فقد كل أمل بالتمديد، بعدما أكّد الأمين العام لحزب الله قبل أشهر على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها. الحزب ثابت على موقفه هذا، كما هو ثابت على ترشيح ميشال عون للرئاسة. ولن يعطي رئيس الجمهورية، في آخر أيام عهده، ولو بصيص أمل بالتعويم… فالتمديد. دعا السيد نصرالله، أول من أمس، الى انتخابات رئاسية «في أقرب وقت ممكن» ليدخل لبنان في مرحلة جديدة. وعلى ضوء هذه المرحلة الجديدة نذهب ونكمل الحوار بالاستراتيجية الدفاعية، ونكمل السعي والجهد والتعاون المشترك ونرفع البلد مما هو فيه». الترجمة لذلك: طوى حزب الله ست سنوات عجاف من عهد «الرئيس السابق» ميشال سليمان.
المصدر: الأخبار