الطائفة الشيعيّة تتعامل بحكمة مع ملف المبعدين
الإماراتيّون يلعبون على وتر الانقسام
علي ضاوي
مرة جديدة يدفع المغتربون ثمن انتمائهم للبنان ولدولة تمرر اعوامها يوما بيوم.
فبعد ضريبة الدم الباهظة التي سالت بكوارث جوية في بحر القضاء والقدر وآخرها الطائرة الجزائرية، جاء دور الإبعاد القسري للمغتربين اللبنانيين من الامارات العربية المتحدة وبعض الدول الخليجية الاخرى ومن دون سابق إنذار وبلا اسباب او مسوغات واضحة لا قانونية ولا اخلاقية ولا انسانية. اسبوع مرّ على تبليغ السلطات الاماراتية وزارة الخارجية اللبنانية قرارها بإبعاد 70 عائلة لبنانية بينهم 63 عائلة من الطائفة الشيعية ومن بينهم اكثر من 10 عوائل قضوا اكثر من نصف حياتهم في احدى الامارات السبع. يوم السبت، سجل وصول آخر دفعة من المبعدين عبر مطار بيروت الدولي. لتبدأ رحلة المعاناة لهؤلاء الذين اصبح معظمهم بلا مأوى او عمل او تأمينات صحية وبات اولادهم خارج مقاعد الدراسة وحتى ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة صارت في خبر كان. فلم يتسن لهؤلاء ان يأخذوا وقتهم بالحد الادنى ليتصرفوا بهذه الاموال وان يأخذوا ما «خف حمله وغلا ثمنه» من شقاء عمرهم فالسلطات الاماراتية اعطت لمعظم هؤلاء فترات سماح للبقاء في البلاد بين 48 الى 72 ساعة كحد اقصى والبعض الآخر وبعد وساطات ومداخلات منحوا اياما اضافية لم تتجاوز اصابع اليد الواحدة.
حتى اللحظة لم تنفع المراجعات التي قام بها رئيس لجنة المبعدين من الامارات حسن عليان مع وزارة الخارجية والمغتربين فبعد اخذ ورد كبيرين بين عليان و«الدائرة الضيقة» من مستشاري الوزير جبران باسيل تم تحويل عليان الى مدير عام المغتربين هيثم جمعة الذي ابلغه ان اللوائح التي ارسلتها الخارجية الاماراتية غير مكتملة ومبعثرة ورفض تسليمه ايا منها في انتظار اكتمالها وفق ما اكد عليان لـ «الديار». واشار عليان الى ان مطلع الاسبوع الحالي سيشكل نقطة انطلاق وتحول في ملف المبعدين من الامارات لا سيما بعد تناول مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة الملف كبند من ضمن بنود جدول الاعمال.
ما اعلنه وزير الاعلام رمزي جريج بعد إنتهاء الجلسة حول تأكيد رئيس الحكومة تمام سلام انه سيتابع التدابير المتخذة بحق المبعدين مع السلطات الإماراتية للوقوف على ظروفها وأسبابها، يرى فيها عليان خطوة ايجابية كبداية لكنها ليست كافية ويفترض ان يتبعها خطوات إضافية لا سيما متابعة الجانب الانساني والايعاز الى مؤسسات الحكومة إغاثة المبعدين المنكوبين والتعويض علـيهم بما يكفل كرامتهم ويمنع عنهم وعن نساء واطفال شبح التشرد والعوز لان كثيرين منهم لم يعودوا الا بالثياب التي يلبسونها ويحملون على اكتافهم وزر الالتزامات المادية تجاه المصارف الاماراتية ومن قروض مستحقة عليهم وعادة ما تلجأ المصارف والشركات الاماراتية الى القضاء اللبناني لتحصيل حقوقها عبر وكلاء لـها في بيـروت كما فعلت مع غالبية المبعدين من الامارات في العام 2009 والذين ناهز عددهم الـ463 عـائـلة ممن صرحوا عن إبعادهم في الاعلام فيما كتم كثيرون الامر ويبلغ عددهم العشرات لحماية من تبقى من اقاربـهم في الامـارات العربـية المتحدة.
وفي حين يرفض عليان اعتبار الملف يخص الطائفة الشيعية وحدها على اعتبار ان غالبية المبعدين في العام 2009 واليوم في 2015 هم من ابناء هذه الطائفة، يناشد جميع القوى السياسية من دون استثناء التعالي عن الخلافات السياسية والانقسامات الضيقة واعتبار القضية قضية وطنية وانسانية لانها كذلك وليست غير ذلك فالاماراتيون يلعبون على وتر الانقسام والمذهبية للنجاة بفعلتهم. ويؤكد عليان انه سيبدأ جـولة واسعـة من اللقاءات للمرجعيات السياسية والرسمية والدينية بدءاً من رئاسة الحكومة وحتى اصغر مسؤول في الدولة اللبنانية لتحصيل حقوق اللبنانيين.
إنتماء غالبية المبعدين الى الطائفة الشيعية لا يعني رمي الكرة على كاهل ممثلي الطائفة من السياسيين والروحيين وحدهم فالملف يعني مواطنين لبنانيين تعرضوا للظلم والتـجني والمطلوب من كل لبنـاني مسؤول ومواطن ان يتـحلى بـالمسؤوليـة الاخـلاقيـة والانسانيـة لرفـع هذه المظلومية عن المبعدين وتحصيل حقوقهم.
وتفيد مصادر واسعة الاطلاع على الملف لـ «الديار» ان التضييق على اللبنانيين في الامارات بدأ بعد رحيل الشيخ زايد وتولي اولاده السلطة وعلى عكس والداهم الراحل انساق ورثة الشيخ زايد الذي كان حكيما ومتسامحا ولين العريكة وسهل المعشر، الى الارتماء في حضن الاميركيين والسعوديين وتنفيذ سياستهم حرفيا ومن دون نقاش وبكل صلف وعنجهية وخصوصا مع ابناء الطائفة الشيعية ولا سيما بعد إنتصار المقاومة الوطنية اللبنانية على العدو الصهيوني في العام 2006، حيث بدأت مضايقات المخابرات العامة الاماراتية تتزايد على اللبنانيين من الطائفة الشيعية ووضعت هواتفهم الخاصة والمنزلية تحت المراقبة وخضعت حساباتهم المصرفية للتدقيق وكذلك حركتها كما خضعت حساباتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي من فايسبوك وتويتر والواتس اب الى التدقيق والمراقبة فاي تعاطف بالصور او «البوستات» مع المقاومة وحزب الله يعني ان هناك متاعب لدى المخابرات والشرطة والامن العام الاماراتي. ويعتبر المقربون من ورثة الشيخ زايد ان كل لبناني وشيعي تحديدا انه جزء من خلايا حزب الله وايران النائمة وانه مستعد للعمل في سبيل انجاح مخطط الهيمنة الفارسية على الخليج العربي وهو كلام يجافي المنطق والوقائع اذا يبلغ عدد الايرانيين في الامـارات وحدهـا عشرات الالاف ويمسكون المفـاصل الاقتصادية للدولة ويبلغ حجم التعامل التجاري بين الامارات وايران ما يتجاوز الـ17 مليار دولار.
في لبنان اعتصم رئيس مجلس النواب نبيه بري والمجلس الشيعي الاعلى وحزب الله بحبل الصمت الايجابي كي لا يتضرر الملف ويستغل الاماراتيون لعبة الوتر المذهبي والانقسام اللبناني ويمارسون في حال صدر اي بيان عالي النبرة تصرفات كيدية جديدة بحق اللبنانيين الموجودين هناك والذين يبلغ عددهم حاليا ما يقارب الـ26 الفاً لكن ذلك لم يمنع كتلة الوفاء للمقاومة من إعلان انها تطالب الحكومة اللبنانية بمتابعة ملف المبعدين حتى النهاية ومعرفة الاسباب التي دفعت الى ترحيلهم بهذه الكيفية وهي اكتفت بالتشاور مع الرئيس بري والمجلس الشيعي بهذا البيان المتوازن في انتظار تحرك الحكومة اللبنانية جديا ليبنى على الشيء مقتضاه.
المصدر: شارل أيوب