كرامة المسيحيين
في المواطنة لا المناصفة
كتب واصف عواضة اليوم السبت في ” السفير”:
يشعر المسيحيون اللبنانيون في هذه المرحلة بشيء من الإحباط، لكنهم يقاومون هذا الشعور حتى لا تسقط آخر قلاعهم السياسية في هذا المشرق. فلبنان «الذي وُجد في الاساس من أجلهم» يجب أن يبقى للمسيحيين فيه دور طليعي لا خلاف عليه حتى الآن لدى المكونات السياسية اللبنانية الأخرى التي لا تتصور لبنان بلا مسيحيين، مهما غالى بعض المتشددين في اتهام بعض هذه المكونات بمحاولة «أسلمة» البلد.
ليس الإخفاق في انتخاب رئيس الجمهورية قبل نهاية الموعد الدستوري هو السبب الوحيد لهذا الشعور. ثمة وقائع كثيرة تتراكم منذ اتفاق الطائف تحمل المسيحيين على ذلك. ولا يخفي البعض رؤيته أن البلد تحول الى ملعب للسنّة والشيعة، اذا تفاهموا استقرّ الحال ونال المسيحيون حصتهم، وإذا تخاصموا اضطرب حبل الاستقرار ووقف المسيحيون متفرجين لا حول لهم ولا طول، حتى بات يقال على الشاشات ويكتب في ثنايات الصحف والمواقع كلام من طراز «إن المسيحيين شركاء بالقول فقط، كأنهم صاروا برستيج لا أكثر ولا أقل»، وأن «منصب الرئاسة يتحول الى منصب سني ـ شيعي، فهل يستفيق الموارنة قبل أن يصبحوا آشوريين جدد؟». وتطول حفلة البكاء على المسيحيين والتحسر على دورهم في لبنان الى حد تكاد تنفطر له القلوب والأفئدة.
ثمة من يحمّل الموارنة بزعاماتهم مسؤولية هذا الشعور الذي قد يكون مشروعا وقد لا يكون. لكن ربط هذا الأمر بالخلاف على رئاسة الجمهورية لم يعد منطقيا ولا واقعيا. فحتى لو تفاهم الموارنة غداً على رئيس وفرضوا شخصه على مجلس النواب، فإن ذلك لن يبدل الكثير من المعطيات القائمة، ولن يعدل في حصة المسيحيين في البلد، لأن الخلل في ذهن المسيحيين بعد الطائف هو في صلاحيات هذا الرئيس وقدرته على تغيير الواقع وإزالة هذا الشعور السالف الذكر.
بصريح العبارة، بات الخلل في التركيبة السياسية اللبنانية التي يحرسها هذا النظام الطائفي البغيض. وليس كافرا السيد حسن نصر الله عندما يطرح، مجرد طرح، عقد مؤتمر تأسيسي لمراجعة هذا النظام وحيثياته، لعلّ وعسى يبدأ اللبنانيون خطوة في رحلة الألف ميل نحو دولة المواطنة التي تحمي المسيحيين والمسلمين على السواء. دولة يصبح أهلها مواطنون «لا فضل بينهم لعربي على أعجمي الا بالتقوى». دولة ليس فيها مناصفة ولا مثالثة ولا مرابعة… ولا متاسعة. ولا ضير في أن يكون ذلك من خلال استكمال تنفيذ بنود الطائف، وهو مطلب يلهج به الجميع، ولكن من دون إقدام.
قد يكون في هذا الكلام اليوم بالذات شيء من الطوباوية المفرطة، لكن المسيحيين مدعوون لأن ينظروا حولهم بكثير من الجدية، ليكتشفوا أن الأنظمة «المطيّفة» في هذا الشرق لم تحم المسيحيين ولم تترك لهم دورا في الحياة السياسية. وطبيعي الا يترك لهم النظام الطائفي في لبنان دورا يشعرون أنه يتلاشى شيئا فشيئا الى حد الانقراض.
إن نظام المواطنة غير الطائفي يحمي المسيحيين ويحفظ كرامتهم، مثلما ينقذ المسلمين وشتاتهم ويحول لبنان الى وطن حقيقي، ويسمح لكل المكونات الطائفية أن تمارس شعائرها بحرية مطلقة بلا منّة ولا ذمّية. فلبنان الطائفي لن يعيد لمسيحييه دورا موهوما، إلا اذا كانوا وما زالوا مصرين على أن لبنان الذي خلق من أجلهم لا يزال قائما، فيكون أو لا يكون. وعندها لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
شاهد أيضاً
في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)
قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …