سليمان في اليوم 2192 يخرج من القصر ويعترف أنّ حاضره يخجل من ماضيه
الراعي يبدأ الساعة صفر تحت الاحتلال في عيد التحرير
الساعة صفر من صباح الأحد الخامس والعشرين من أيار تتمّ الصبية الفاتنة «المقاومة والتحرير» عامها الرابع عشر، وقد تدرّجت في الحب من جنوب لبنان حتى تمترست في الجولان، والعين والقلب دائماً لفلسطين، بينما ستكون الساعة صفر لبدء زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي لفلسطين المحتلة، تحت عنوان زيارة رعوية يبدأ فيها وهو الآتي من بلد المقاومة الساعة صفر تحت الاحتلال، في مصادفة مكان وزمان غير موفّقين، ليكون التوفيق حليف اللبنانيين والرئيس المنتهية ولايته العماد ميشال سليمان لمغادرته القصر الجمهوري في بعبدا وفقاً للأصول الدستورية كما قال، وقد أتمّ فيه أيامه الألفين ومئة واثنين وتسعين وهو خجول من دون أن يشعر اللبنانيون بهذا الخجل، الذي كان يستدعي عدم الاستمرار في الرئاسة، بعدما قال البطريرك الراعي ووافقه الرئيس سليمان في مواصفات الرئيس ألا يخجل حاضره من ماضيه، وبعدما تكاثرت الإشارات على ألسنة المقرّبين من الرئيس وفي مقدمهم وزراؤه عن الرغبة والدعوة العلنية إلى تمديد ولايته وليس إنهائها وفقاً للأصول الدستورية، وبعدما قال المرشح الرئاسي سمير جعجع الذي نال مديح الرئيس وتقديره، أنّ البطريرك الماروني فاتحه بالتمديد للرئيس سليمان، فهل خالف البطريرك بذلك الأصول التي يفخر الرئيس باحترامها، وتجرّأ على فعل ذلك من دون رضا الرئيس ليجبره على العودة إلى القصر بخجل جديد؟
التزامن بين مثلث الساعة صفر والخجل والشعور بالفخر ليس محض صدفة، فقد شكل أساس ولادة الساعة صفر للمقاومة، التي افتتحها المقاوم البطل المنتظم في الحزب السوري القومي الاجتماعي في عملية «الويمبي» الشهيرة في شارع الحمراء في بيروت، ذلك الشعور بالخجل الذي اجتاح قلوب وعقول ووجدان شباب لبنانيين لم يتولوا في الدولة مناصب قيادية، ولا شعروا بالفخر إلا وهم يغادرون الحياة، يوم وهبوا دماءهم كأمانة يؤدونها لأوطانهم يوم طلبتها فلبّوا النداء.
وهي المقاومة التي شعرت بالخجل من تلكؤ المسؤولين في الدولة عن تسليح جيشهم الوطني بما يلزم لتحرير الأرض وردع العدوان، فزرعوا أجسادهم في الأرض وكان القطاف هو التحرير، فشعروا بالفخر وكانت الساعة صفر لبزوغ شمس الحرية على أرض الوطن، وهي المقاومة التي شعرت بالخجل يوم زحفت جحافل التتار والشيشان المستجلبة من حكام المشيخات الخليجية والعثمانية الجديدة لتدمير سورية وضرب ظهر المقاومة، فكانت الساعة صفر مكرّرة في القصير ويبرود والعتيبة والمليحة ليكرّروا تلاحم الدم اللبناني ـ السوري بكلّ فخر في منع «إسرائيل» من التصرّف بنشوة المنتصر، فكانت رسالتهم لها رداً على محاولاتها تغيير قواعد الاشتباك في عمليات نوعية في مزارع شبعا والجولان، وكان الدخول في الساعة صفر بكلّ فخر إلى الجولان تدشيناً لزمن جديد لم تتبلور كلّ ملامحه وتداعياته بعد.
وهي الرئاسة التي تحوّلت إلى عصا خشبية لا تهشّ على غنم ولا تنشّ ذباب، بوهم المعادلة الذهبية المفترضة، فصارت عصا لمآرب أخرى لا تشقّ عباب بحر ولا بركة ماء، عندما خرجت الرئاسة عن تاريخها مع أهلها ومقاومتها، وتوهّمت أنّ أهل المال والترحال والرمال يصنعون أمجاداً ومدناً من غير الملح والرمل، تزول مع أول عاصفة أو طوفان، وتوهّمت أنّ قلاع التاريخ والجغرافيا كالتي تمثلها سورية تسقط بيد التتار والمغول مرتين، أو تهون أو تستسلم أو تخضع لابتزاز الاتصال الهاتفي المنتظر، الذي بقيَت وجهته الوفاء لرئيس مقاوم لم تضع عليه البوصلة اسمه إميل لحّود.
وهو الكرسي البطريركي الذي لا يريد أيّ من أهل المقاومة مخاطبته بغير العتب على العناد لمواصلة زيارة تمتلئ قصصها وتداعياتها بالألغاز، وفي توقيت عيد المقاومة المتصادف معها يتحوّل العتب إلى مرارة لمنح العدو فرصة الشماتة باستقباله رمزاً لبنانياً مشرقياً له هذه المكانة بين الشعوب والدول في المنطقة والعالم، وفي وجدان أهل المقاومة، ليحرجهم ويسكتهم ويدع الجميع أمام حبس أنفاس لن ينتهي إلا مع نهاية هذه الزيارة بلا مفاجآت مؤلمة.
يحتفل لبنان غداً بالذكرى الـ14 لعيد المقاومة والتحرير. ويتزامن العيد هذا العام مع نهاية ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، الذي يودّع قصر بعبدا اليوم في احتفال تشارك فيه كلّ القوى السياسية باستثناء كتلة الوفاء للمقاومة، ويلقي خلاله خطاب الوداع الرئاسي، بعدما ودّع أمس مجلس الوزراء في جلسة أخيرة في بعبدا، وودّع موظّفي القصر الجمهوري والإعلاميين المعتمدين فيه، لينتقل إلى منزله في عمشيت.
سيصبح الرئيس سليمان الذي لم يتسلّم الرئاسة من أحد ولم يسلّمها إلى أحد، صباح الأحد رئيساً سابقاً للجمهورية. يخترق الشغور قصر بعبدا ليتمدّد ويصبح فراغاً في مؤسسات الدولة مع توجه النواب المسيحيين إلى تعطيل العمل التشريعي في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، وإعلان وزير الخارجية جبران باسيل «أنّ العمل في الحكومة لن يبقى كما هو مع بدء الشغور».
البناء