الكيان يرتجف… لو كنت أعلم!

عقب العدوان الاسرائيلي الواسع على لبنان في تموز عام 2006، أطلّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بمقابلة تلفزيونية تحدث فيها عمّا حصل. وفي معرض كلامه قال عبارة: “لو كنت أعلم…”(1). لم تنته المقابلة إلا وكانت العبارة قد انتشرت بفضل معارضي نصرالله والحزب للتشديد على أنّ عملية أسر الجنديين الإسرائيليين التي سبقت العدوان كانت خطأ.
واشتهرت العبارة في لبنان بشكل واسع، وباتت محط كلام للكثيرين، ويبدو أنّ انتشارها تعدّى الحدود اللبنانية ليصل إلى إسرائيل، حيث بدأت الجملة تنتشر هناك أيضاً بعد الغارة التي استهدفت القنيطرة الاحد الفائت.
وقد صرّح مصدرٌ أمني إسرائيلي أنّ إسرائيل لم تكن تعلم بوجود الجنرال الايراني محمد الله دادي ضمن عداد الموكب الذي استهدفته الغارة(2)، أي بمعنى آخر، أنه لو علمت إسرائيل بوجود الجنرال الايراني ما كانت لتكمل بالعملية، فما سبب هذا القول؟ ولماذا تقصّد تعميمه؟
1- لم تتبنّ إسرائيل بعد، وبشكل رسمي، قيامها بالغارة التي استهدفت الموكب المذكور في القنيطرة، رغم كلّ المعطيات التي تؤكد ذلك، لأنّ تبعات هذا التبنّي الرسمي كبيرة وثقيلة. لا بل نفت عبر وزير خارجيتها أفيغدور ليبرمان أن تكون قد نفذتها. وحاولت الحكومة الاسرائيلية التمويه بنشر العديد من الاخبار حولها ومنها على سبيل المثال لا الحصر أنّ مجموعات من “جبهة النصرة” هي التي نفذت العملية، وهو ما لا يمكن تصديقه.
2- يمكن تصديق ما قاله المصدر الامني الاسرائيلي أو عدم تصديقه. ولكن الاكيد أنّ إسرائيل تحاول في شتى الطرق تحضير مواطنيها لواقع أنّهم أصبحوا بخطر جراء الردّ المتوقع، والذي سيكون “عاصفاً” وفق التهديدات الايرانية. ويعلم الاسرائيليون جيداً أنّ قدرات “حزب الله” خارج لبنان تبقى أضعف بكثير من قدرات الايرانيين، وأنّ الردّ الذي سيأتي بالتكافل والتضامن بين الحزب وايران ومن المحتمل أن يكون موجعًاً وفي أيّ بقعة من العالم بعد أن غيّرت اسرائيل قواعد اللعبة.
3- يراهن الاسرائيليون على أنّ طهران لن تعبث بالتقدم الحاصل على مستوى ملف المفاوضات مع الغرب حول قدراتها النووية، وهم على صواب، بحيث أنّ الاوضاع لن تتدهور بشكل شامل ولن تصل إلى حدّ الحرب الشاملة. ولكن الخوف والقلق الاسرائيلي يزداد بشكل أكبر من عمليات استخباراتية محدودة قد تطال شخصية بارزة إن على الصعيد الامني أو السياسي أو حتى العلمي (على غرار استهداف علماء ايرانيين سابقاً)، أو حتى ربما تشغيل خلايا نائمة في الداخل الاسرائيلي أو الداخل الفلسطيني.
4- يسود الداخل الاسرائيلي حال من الغليان جراء العملية، وبرزت تحليلات ومقالات عدة حذّرت من أنّ العملية كان يمكن تفاديها، لأنّ الذريعة التي أعطيت بأن الموكب كان يمكن استخدامه لضرب اسرائيل، هي ذريعة غير قائمة لأنه استهدف على بعد نحو سبعة كيلومترات عن الحدود. ولو لم تكن هناك نية لاغتيال من فيه، كان يمكن استخدام وسائل أخرى لردعه وتحويل وجهته.
ولكنّ الرغبة الدائمة لدى اسرائيل في “تصفية” أعدائها تتغلب دائماً على المنطق وهي غالباً ما كانت توقع حلفاءها في مأزق سياسي جراء تحركاتها العسكرية غير المدروسة. ويقيناً لو كان الامر بيدها، لكانت قصفت منذ زمن بعيد المفاعلات النووية الايرانية غير عابئة بالنتائج.
أما اللعبة السياسية، فهي دائماً حاضرة لكسب المعنيين أصوات الخائفين الذين يبحثون عمن يمكنه إنقاذهم من الدوامة التي أغرقهم السياسيون فيها.
باختصار، إنّ العبارة الشهيرة “لو كنت اعلم” اختلفت وجهة استعمالها بين السيد نصر الله واسرائيل. فالامين العام لـ”حزب الله” استعملها بعد أن شنت اسرائيل حربها على لبنان، ولو أنّها لم تحقق اهدافها، فيما اسرائيل تستعملها اليوم قبل أن يتم الرد على ما قامت به مع ادراكها المسبق بأن التهديد الايراني بالرد “العاصف” يجب أخذه على محمل الجد.
(1) بتاريخ 27/7/2006، قال الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في مقابلة تلفزيونية أنّ قيادة الحزب “لم تتوقع ولو واحدًا بالمئة أن عملية الأسر ستؤدي إلى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم، لأنه وبتاريخ الحروب هذا لم يحصل… لو علمت أن عملية الأسر كانت ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعا”.

(2) بتاريخ 20/1/2015، نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر أمني إسرائيلي فضّل عدم الكشف عن اسمه قوله: “لم نكن نعلم وجود الجنرال الايراني ضمن الموكب المستهدف في القنيطرة”.

المصدر: النشرة

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …