الفساد ومسؤوليّة التّغيير والإصلاح

#بينات #السيد_محمد_حسين_فضل_الله (رض)

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم: 41].

يؤكد الله سبحانه وتعالى في هذه الآية، أنّ ما يحدث في العالم الإنساني كلّه، من فساد اجتماعي واقتصادي وسياسي وأمني، على مستوى حركة الإنسان في كلّ معاملاته وعلاقاته، وعلى مستوى الآلام التي تعانيها المجتمعات، والخسائر التي تصاب بها، والانهيارات التي تحدث فيها، يتحمّل مسؤوليّته الإنسان، لأنّ الله سبحانه وتعالى قد رسم للإنسان خطاً مستقيماً ينفتح على القيم الروحية التي تتحرّك في خطّ تقوى الله ومحبته والإيمان به والخشية منه، وعلى القيم الأخلاقيّة التي تحكم حركة الإنسان في نفسه ومجتمعه وفي الأمّة كلّها…

فالإنسان هو المسؤول عن كلّ ما يحدث له في حياته العامة والخاصة من أوضاع. وعلى هذا الأساس، لا يمكننا ـ كما يفعل البعض ـ أن ننسب تلك الأحداث إلى الله بشكل مباشر، فالله سبحانه وتعالى هو وليّ الكون كلّه، وقد وضع للإنسان نظاماً يُصلح له حركته في الحياة، وأراد له أن يأخذ به ويلتزمه، ولكنّ الإنسان انحرف عنه، فكان نتيجة ذلك الفساد، مع علم الله سبحانه بما يحدث للإنسان.

فالإنسان هو صانع الفساد، وهو صانع الصلاح، ولذلك كانت دعوة الأنبياء أممهم إلى أن يأخذوا بأسباب الصّلاح والإصلاح، وهذا ما جاء في القرآن الكريم على لسان أحد الأنبياء (ع): {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ}[هود: 88]، فأنا أريد أن أُصلحكم، وأن أجعل الصّلاح هو الذي يسيطر على كلّ مجتمعاتكم، لتكون مجتمعات خير وإنتاج وسلام. وهكذا عندما نستعيد عاشوراء، فإننا نقرأ أن الحسين (ع) انطلق في حركته من أجل الإصلاح في أمّة جدّه.

وفي القرآن الكريم، نقرأ قول الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}، ليعرّفنا سبحانه أنّ الإنسان هو الذي يصنع التغيير، من خلال فكره الذي ينفتح على سلوكه وعلى علاقته بالناس وبالحياة كلّها، حتى إنّ الله تعالى قد يقدّر سلب النعم عن الناس، سواء كانت نعماً في حياتهم الاقتصادية أو في حياتهم الأمنية أو الاجتماعية، في حال تغيّرت ممارساتهم العملية التابعة لأفكارهم، بحيث تصبح في خط الفساد وخط المآسي والانهيار، يقول تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الأنفال: 53].

فالله يريد أن يقول للإنسان: غيِّر نفسك تغيِّر الواقع، لأنّ الواقع يتجسّد من خلال الفكرة الداخليّة التي تحكم التخطيط الإنساني لطبيعة حركته في الحياة. وورد في هذا المجال أيضاً قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}[النحل: 112].

وعلى ضوء هذا، لا بدّ لنا في عملية الإصلاح العملي الواقعي من أن نصلح العنصر الفكريّ للإنسان، بأن نغيِّر الذهنيّة الإنسانيّة لتكون ذهنيّة خير لا ذهنيّة شرّ، ولتكون حركته حركة عدل لا حركة ظلم، وانطلاقته انطلاقة الاستقامة لا انطلاقة الانحراف…

*من أرشيف #خطب_الجمعة، العام 2009.

شاهد أيضاً

في رثاء الحاج طلال شرارة (أبو علي)

قم أيها الحبيب! رد هذا التراب عن وجهك وحدثنا فنحن لم نودعك كما الزوجة والأبناء …