ترجَّل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من طائرته في السعودية مبتسما، وازداد ابتساما وهو يصافح وزير الدفاع السعودي الأمير محمد أبن الملك سلمان. لم يناقض ابتسامته، سوى تجهُّم وجه عبد الملك الحوثي زعيم انصار الله وهو يلقي خطابه الليلة. الأكيد ان لا ابتسامة الاول ولا تجهم الثاني بعد ليلة القصف السعودي بغطاء عربي باكستاني تركي وأميركي، تقرران مقبل الأيام، خرجت اللعبة من أيدي اليمنيين، وباتت مفتوحة الآن على احتمالات اقليمية ودولية أكبر من اليمن وشعبه الفقير.
السؤال الأول : هل حسب عبد الملك الحوثي ضربته جيدا قبل التوجه الى عدن التي حدد الخليجيون خطوطها الحمر عبر نقل سفاراتهم اليها ؟ اذا كان حسبها مع حلفائه، فهذا يعني انه أراد توريط المملكة بحرب مباشرة في اليمن لاستنزافها لاحقا. لكنه على الارجح لم ينتظر كل هذه الجبهة الاقليمية والدولية ضده خصوصا بعدمها كاد يصل الى باب المندب، اي الى الخط الاحمر اقليميا ودوليا . فهذا المعبر المائي يكاد يوازي ولو بنسبة اقل مضيق هرمز للملاحة البحرية العالمية وللنفط. تمر فيه أكثر من 21000 قطعة بحرية كل عام . لا يمكن السماح لايران بان تسيطر على باب المندب ومضيق هرمز.
النتيجية الاولى: ان لا دول الخليج ولا تركيا ولا اميركا التي تتفاوض معها ايران قابلون بأن يكبر الدور الايراني الى درجة تطويق الخليج من العراق واليمن والوصول الى مشارف اسرائيل عبر الجولان خصوصا بعدما صار الغرب يفتح خطوطا مع الحليف الابرز لايران حاليا اي الرئيس بشار الاسد . كان لا بد من تشكيلة جبهة من الدول السنية في المنطقة لاعادة التوازن مع ايران.
النتيجة الثانية : ان الملك سلمان والقادة الجدد لعرش السعودية يريدون اظهار حزما اكبر مما كان عليه الملك عبدالله في الملفات الخارجية . وقد سعت السعودية لضم تركيا وباكستان ومصر والسودان وتحييد الجزائر وتوفير غطاء غربي بغية وضع خط أحمر لايران وحلفائها.
النتيجة الثالثة : ان ايران التي ستتعاطة كعادتها ببرود اعصاب امام هذه الجبهة الاقليمية والدولية ضد دورها في اليمن، ستسعى لتوظيف ما حصل لصالحها . فالدول المهاجمة قالت انها تلبي نداء الشرعية وتستجيب لطلب الرئيس عبد ربه منصور هادي . تستطيع قول الشيء نفسه بالنسبة لحليفها الرئيس بشار الاسد الذي بقي اكثر من نصف العالم يعتبره شرعيا ( روسيا الصين والبريكس ) والنصف الاخر عاد ينفتح عليه. فهل ما يحصل في اليمن هو مقدمة لتغيير مجاري الرياح في سورية . على الارجح نعم.
لا شك ان الدول التي هاجمت الحوثيين، تريد بعث رسالة ايضا الى سورية وحزب الله وغيرهما، لكن هنا ثمة خط احمر يعرفه الجميع. فاي تحرك عسكري ضد الاسد او حزب الله كما حصل في اليمن، يعني زلزالا كبيرا في المنطقة .
النتيجة الرابعة : نلاحظ ان العمليات ضد الحوثيين تزامنت مع ضربات مشابهة قامت بها اميركا والجيش العراقي والحشد الشعبي ضد معاقل داعش وغيرها . ما يجري في تكريت لافت . وهنا قد يكون ما حصل في اليمن لتوسيع الضربات ضد داعش في العراق وسورية واشراك تركيا وغيرها . نحن امام رسم خطوط جديدة في المنطقة ولا احد يعرف ماذا يحصل بالضبط بين ايران واميركا.
النتيجة الخامسة : لا شك ان السيد عبد الملك الحوثي ليس من النوع الذي يسكت على ضربات مماثلة. معروف ان السلاح والثأر زينة الرجال في اليمن. سيحاول ما استطاع لرفع معنويات الموالين له وسيلقى بطبيعة الحال دعما ايران . لكن من غير المنتظر ابدا ان تقدم ايران على عمل كبير في مواجهة هذه الجبهة التي تشكلت ضد دورها . تدرك ايران ان تفاوضها مع الغرب والتوصل الى اتفاق هو الذي يحرك كل هذه الجبهات ضدها وضد دورها، ولذلك تفترض ان الاولوية الان هو النجاح في ذلك مع الحفاظ على وتيرة التقدم العسكرية في سورية والعراق. تماما كما ان ايران تعرف ان هذا الهجوم على الحوثيين اريد له ان يجرها الى معركة اوسع، لكنها ستختار طبعا تحويلها الى فخ للسعودية . نحن هنا ام تبادل الفخاخ بين السعودية وايران . كل منهما قادر على التحرك بوتيرته وادواته .
النتيجة السادسة : من غير الممكن ولا المنطقي ان تفكر السعودية وحلفاؤها بالقضاء على الحوثيين، فهؤلاء يستطيعون أيضا احداث اختراقات عسكرية وامنية كثيرة، وهم أحد ابرز مكونات المجتمع السياسي والعسكري الحالي في اليمن، تاريخهم العريق ضارب في جذور البلد، حتى ولو كانوا اقلية على المستوى الديني. من المستحيل الغاؤهم . من المفترض اذا ان تكون اهداف الحملة العسكرية الحالية ضدهم هي تصغير حجمهم الى المستوى الذي يقبل بالتسويات مع الآخرين، ولذلك سيستمر العمل السعودي لتشكيل قوة عربية مشتركة ولاستصدار قرار من مجلس الامن، لكن هذا سيصطدم طبعا بالفيتو الروسي على الارجح . واضح من امكنة الضربات وحجمها انها لا تستهدف القضاء على الحوثيين او قتل رموزهم الكبيرة. ثم أن لهؤلاء خبرة عسكرية كبيرة حيث خاضوا 6 حروب ضد قوات حليفهم الحالي الرئيس علي عبدالله صالح، واخترقوا الاراضي السعودية سابقا، ولا شك انهم يفكرون بالرد اذا ما توترت الاوضاع اكثر او اذا ما كان خيارهم مع حليفهم الايراني هو المواجهة. لكن هذا الخيار الايراني يبدو مستبعدا حاليا .
النتيجة السادسة : ان الدعم الاميركي المباشرة للعمليات، والمعرفة المسبقة بتوقيتها وشكلها وحدودها، يعني بوضوح ان الجانب الغربي اراد الضغط على ايران لتسريع قبولها بشروط الاتفاق النووي، لكنه بقي ضغطا محدودا ذلك ان التحالف الاميركي الايراني قائم ضد داعش في دول اخرى.
النتيجة الاخيرة ، ان القرار اليمني خرج من ايادي اليمنيين، وصار جزءا من حالة اقليمية ودولية ملتهبة، ومن الصعب الحديث عن منتصر ومهزوم على مستوى الاقليم ، لان كل طرف لديه كل أدوات ايذاء الآخر. لا شك ان الحوثيين تلقوا ضربة ، لكن هذه جولة من حرب باردة او بالوكالة باتت خطيرة جدا بين السعودية وايران. والجبهات المفتوحة كثيرة ، يستطيع طرف ان يربح هنا ثم يخسرهناك . لا بد من حل على هذا المستوى وليس على المستوى الداخلي اليمني الذي سيشهد جولات كثيرة من العنف، كما سيشهد تظاهرات متناقضة بين داعمين للحوثيين ورافضين لهم.
________________________________________
الكاتب: سامي كليب