سامي كليب
لم يخرج حزب الله من سوريا. مع ذلك جالسه خصومه في الحكومة. لم يسلِّم حزب الله سلاحه. مع ذلك جُرِّد بعض خصومه من سلاحهم ولوحقوا بخطة أمنية هو شريك في ضبطها. لم يقل إنه غيَّر استراتيجيته ضد اسرائيل. مع ذلك عاد الغربيون يطرقون أبوابه. لا بد من مشاورة «هذا الشريك» المزعج، و«لكن الضروري»، على حد توصيف دبلوماسي أوروبي.
ما سبب هذه التحوّلات؟
هي أسباب أبرزها أربعة:
قناعة، تكبر يوماً بعد آخر، بأن الحزب بات عصيِّاً. أولاً على المستوى الأمني، وثانياً على المستوى الاجتماعي، وثالثاً على المستوى السياسي. راكم من القدرات والخبرات والأسلحة ما جعله يفرض معادلة خطيرة على اسرائيل، وعلى خصومه المحليين والاقليميين.
انتقل الحزب من متهم، اطلسياً، بالارهاب الى مساهم في مكافحة الارهاب. لا إمكانية لنجاح الجيش اللبناني في خطته الراهنة وخططه المقبلة من دون سند معنوي او أكثر من الحزب. لا امكانية للقضاء على التنظيمات الارهابية والتكفيرية في سوريا من دونه. يعرف أصحاب الشأن الامني الدور الاستخباراتي الهام الذي لعبته اجهزة الحزب في الكشف عن متفجرات وشبكات كانت ستزرع الرعب في لبنان وتعزّز الفتن. للحزب وحلفائه قوة سياسية وازنة تجعل من المستحيل اتخاذ اي قرار سياسي كبير على مستوى الوطن ضده او من دونه. الانتخابات الرئاسية خير دليل.
التنقيب عن النفط في لبنان لن يحصل اذا كان المنقِّبون على عداوة مع الحزب. هو، ببساطة، يستطيع منع ذلك بذريعة حماية المصالح اللبنانية ضد اسرائيل. هو نفسه يستطيع ان يسهِّل ذلك اذا ما تقاربت المصالح حتى مع خصوم دوليين. يتعزز ذلك لو استمر تقدم التفاهم الايراني ــــ الدولي على وتيرته الحالية.
رغم كل المصائب الاجتماعية للحرب الاسرائيلية قبل انتصار 2006 وما تلاها، تماسكت بيئة الحزب وفرحت خصوصاً بعدما اعيد بناء ما دمرته اسرائيل بأحسن مما كان. لم يتفكك التحالف العضوي بين الحزب وحركة أمل رغم وجود وجهات نظر مختلفة في بعض الأحيان. لم يؤثر اندماج الحزب في الحرب السورية على هذه البيئة رغم السقوط المستمر للشهداء. قد تظهر اعتراضات طفيفة ولكنها تبقى طفيفة. المشهد العام لهذه البيئة لا يزال الى جانب المقاومة وسيدها.
لا شك في ان التورط في الحرب السورية أساء بداية الى صورة الحزب على المستوى الوطني والعربي. كانت آلة الدعاية ضده جاهزة لتأجيج مشاعر الفتنة المذهبية. الآن تتغير المعادلة. ثمة تحوّلات جدية في الرأي العام العربي. تأتي وفود كثيرة الى حزب الله في طريقها الى سوريا. تضم الوفود تيارات وطنية وعروبية وناصرية مناهضة لاسرائيل. ياتي معارضون سوريون استجابة لدور الحزب في تعزيز المصالحة والتخفيف من ويلات الحرب.
ماذا عن دور الحزب في الرئاسة؟
ظهرت خلال اليومين الماضيين مواقف اميركية وفرنسية وايرانية وعربية تدعو الى انتخاب رئيس لبناني توافقي. حسم البطريرك الماروني بشارة الراعي موقفه الرافض لان يكون الرئيس المقبل من 8 او 14 آذار.
الحزب يجاهر بدعمه العماد ميشال عون. السيد حسن نصرالله حاسم في هذا الموقف. لكن الساعين الى رئيس توافقي راغبون، وأكثر من أي وقت مضى، باقناع الحزب بتغيير موقفه. الأبواب حتى الآن موصدة أمام اي بحث باسم رئيس غير عون. هذا موقف فيه من الوفاء بقدر ما فيه من السياسة او اكثر.
الرئاسة مهمة، لكن الأهم ان حزب الله الذي اريد له ان يختفي من الساحتين السياسية والامنية بعد الاعتقاد بسقوط وشيك للنظام السوري، يجد نفسه اليوم أبرز ناخبي رئيس الجمهورية في لبنان. لديه القدرة على التوافق مع أمل ورئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط وكتلة العماد عون وبعض الحلفاء، اذا ما اقتنع جنبلاط بأن مصلحة الجبل والعلاقة مع الحزب تقضي بذلك. لدى الحزب، ايضاً، القدرة على التفاهم مع حلفائه وتيار المستقبل في اتجاه الرئيس التوافقي اذا اقتنع عون باستحالة ان يصبح رئيساً، وقبل ان يشارك في صنع الرئيس (رغم استحالة ذلك حالياً). أما اذا سُدت السبل وفُرض رئيسٌ خصم للمقاومة، فان الحزب قادر على التعطيل.
عزَّز حزب الله، أكثر من أي وقت مضى، دوره كجزء من محور اقليمي ودولي كبير. يشعر هذا المحور بأنه حقق انجازاً استراتيجياً كبيراً في سوريا. هكذا يشعر الحزب ايضاً، لكنه يتصرف في سياسته اللبنانية الداخلية من منطلق انه مجرد جزء من نسيج اجتماعي يتطلب التوافق. البعض يرى في ذلك ضعفاً. العارفون يدركون ان في ذلك بداية لمرحلة تحوّلات اقليمية ودولية اكثر اهمية من بيان وزاري هنا او رئاسة جمهورية هناك.
بين بيروت ودمشق وطهران والقرم قصرت المسافة.
المصدر: الأخبار