كان السيّد “محسن الأمين” في أربعينات القرن الماضي سيّد شيعة سورية ولبنان, أي ابّان الاحتلال الفرنسي للبلدين الشقيقين.
هو المغفور له اللبناني السوري سماحة السيد العلامة آية الله “محسن الأمين” من جبل عامل وابن قرية (شقرا) في جنوب لبناننا الحبيب ومسقط رأس الأشراف “آل الأمين”.
تلقّى سماحته علومه في النجف الأشرف ومن ثم عاد إلى سوريا لإرشاد قومه إلى ما يتطلّبه الدين من تعاليم وأخلاق فاستقرّ في العاصمة دمشق، وأصبح جامعة كبيرة لوحده، فانشأ جيلاً جديداً كان معه حرباً على ما أورثته الأجيال والسياسات المضلّلة الغاشمة من بِدَع وخرافات وأساطير شوّهت محاسن الإسلام، وقوّضت أفكاره السمحة لصالح التطرف والتعصب والتكفير,فكان السيّد محسن قلعة في وجه الطائفية والتعصب والتي حاول الاستعمار الفرنسي اشاعتهما بكل الوسائل في المجتمع الدمشقي والسوري عموماً ولم يفلح .
طالب السيد الأمين بالتعليم وتنوير الأفكار ومحاربة البدع والانحرافات، وأصرّ أن هذا لا يتمّ إلّا بالتعليم المنضبط والرسمي ، ففتح المدارس، وأسّس مدرسة للبنات في الوقت الذي كان الكثيرون يتحرّجون في تعليم الصبيان، فكيف البنات.
كانت مدارسه – المدرسة “المحسنيّة” في دمشق وسميّت على اسمه ومازالت قائمة حتّى اليوم في الحي الجميل الذي يحمل اسمه أيضاً “حي الأمين” في دمشق القديمة – كانت مدارسه تُعلّم مختلف العلوم العصرية، واللغات الأجنبية لحاجة أبناء عصره لها تطبيقاً لفهمه العميق لكلمة جدّه الإمام أمير المؤمنين عليّ ابن ابي طالب سلام الله عليه :
“نَشِّئوا أبناءَكم على غير ما نشأتم فانّهم مولودون لزمن غير زمانكم”
لقد تصدّى السيد محسن الأمين لحكومة الاحتلال الفرنسي وأعلن من بيته الإضراب لمدة ستة أشهر كاملة في وجه الانتداب الفرنسي وحارب سعي حكومة الانتداب لفرض مبدأ الطائفية في سورية، ووقف بقوة إلى جانب علماء دمشق من سنّة وشيعة في وجه “قانون الطوائف” الذي وضعه الانتداب الفرنسي والذي حاول من خلاله التفريق بين السنّة والشيعة فأرسل مذكرة احتجاجية يقول فيها :
(بصفتي المرجع الروحي للمسلمين الشيعة في سورية وفي لبنان، أحتجُّ على هذا القانون، وأحتج على هذه التفرقة بين المسلمين، لأننا أمة واحدة وعلى دين واحد، لا نسمح لكم بأن تفرقوا بين السنة والشيعة، لأننا في قضايانا الإسلامية نمثل فريقاً واحداً وقد قال تعالى بعد البدء بسم الله الرحمن الرحيم :
“إنما المؤمنون إخوة” ).
ما اضطر السلطة الفرنسية إلى إلغاء هذا القانون مكرهة.
وعندما عرض عليه المفوض السامي الفرنسي رئاسة العلماء والإفتاء، بقصد فصل الطائفة الشيعية عن الطائفة السنيّة قال سماحته – طيّب الله ثراه – قولته الشهيرة :
“من كان موظفاً عند الله لا يمكن أن يكون موظفاً عند المفوّض السامي”