ايران لم تكن عضواً في التحالف الدولي الذي احتل أفغانستان عام 2001 ولم تؤيد شن الحرب، لكنها اليوم قوة يحسب لها حساب في الشأن الافغاني حاضراً ومستقبلاً. وحُرم عليها أيضاً ان تكون عضواً في “ائتلاف الراغبين” الذي غزا العراق بعد سنتين. وظن البعض ان الوجود العسكري الاميركي على جانبي الحدود الايرانية هو تهديد أمني لطهران وتحجيم لدورها الاقليمي الطموح. بيد ان الحرب الثانية كانت مثل سابقتها بمثابة هدية من السماء للمرشد وجمهوريته، اذ اقتلعت نظام خصمه الاول صدام وتركت العراق لقمة سائغة في يد الادارة الايرانية.
باسم مكافحة الارهاب أيضاً تشن واشنطن حربها الشرق الاوسطية الثالثة في عقد ونيف، وايران للمرة الثالثة أيضاً في عداد المحرومين من شرف الانضمام الى الائتلاف الدولي الجديد الذي تنطح لمهمة القضاء على “داعش”. وكما في السابق، هي تندد علناً بقرار حرمانها وحرمان حلفائها القيام “بواجبهم” حيال التطرف والمتطرفين، لكنها تتصرف وكأنها تعرف ضمناً ان حصيلة الحرب الثالثة ونتيجتها العامة لن تختلفا عن محصلة الحربين السابقتين ونتيجتهما.
في خضم الاستعداد للحرب الجديدة، كان كل شيء يوحي بان اعلان الائتلاف الجديد من جدة بزعامة سعودية ورعاية اميركية، هو بدء العد العكسي للنفوذ الايراني المنفلش من بغداد الى بيروت بعد تلقي حليفه العراقي ضربة قاسية في الأنبار وصلاح الدين. ولكن بينما كانت واشنطن والمؤتلفون معها يجرون الكلام على حربهم المفترضة شمال شبه الجزيرة أملاً في “اعادة التوازن” مع ايران وتحديد الاحجام والاوزان، دوت المفاجأة في جنوبها. من دون تمهيد كلامي، سقطت صنعاء في أيدي اصدقاء ايران بفعل مدروس ومخطط له بعناية. وسقطت معها فرضية الرئيس اليمني عن ربط مصير عاصمته بمصير دمشق، اذ صار مصير اليمن مربوطاً بمسائل أكبر… فإما ان يفتح باب التفاهم والحوار على مصراعيه بين طهران والرياض واما ان يقفل كل الابواب ويضع المنطقة برمتها امام المجهول!
روما من فوق غير روما من تحت. ومن ينظر من فوق السحاب غير الذي يتابع التفاصيل على الارض. فمن يتحكم بالجغرافيا يمكنه ان يتفوق بعض الاحيان على من يملك القوة والسياسة. واذا كانت ايران أثبتت هذه المقولة في افغانستان والعراق عندما كانت القوة الاميركية تجتاح البلدين براً وجواً، فكيف سيكون الحال عندما تخوض واشنطن حربها الجديدة من السماء فقط بينما ايران اشبعت الارض زرعاً من حدودها الى حدود البحار الثلاثة الأبيض والأحمر والعرب؟
النهار